نحو بناء المستقبل-عبدالجبار قاسم
لا شك أن المستقبل
هو مجال مفتوح من الطرفين وبالتالي فهو مسار زمني مفتوح يمتد تدريجيا فكلما دخلنا فيه
يصبح من الماضي ،
فالماضي كان يوما
ما يعد مستقبلا كما هو الآن الحاضر والمستقبل المنظور ذاته وبالتالي أننا كأفراد وفي
أي مرحلة زمنية عشنا ونعيش كنا في المستقبل والحاضر ولكننا سوف نصبح في الماضي ومن
الماضي ، فعلينا أن نعي ان كل واقع هو شرط لازم لخلق واقع جديدفي المستقبل وفور دخولنا
لهذا المستقبل فإنه لا يلبث أن يصبح ماضيا.
وبالتالي فالحياة مستمرة وليس هناك اكتفاء بمرحلة معينة.
ومن المؤكد أن المستقبل
لا يأتي إلا بقبول التغيير الذي هو امتداد واستمرار وهي وإن كانت نتيجة لمنظومات مختلفة
ومتعددة فهي تولد بدورها منظومات جديدة أوسع ، إنها في النهاية انبثاق بنى اجتماعية
جديدة تحل محل البنى الإجتماعية التي سبقتها وهذه العملية تحدث داخل المجتمعات الواعية
والمتفهمة لمستلزمات التقدم هي ذات مراحل متسلسلة متتالية ومستمرة باستمرار السهم الزمني
الممتد .
ولكن السؤال الذي
يطرح نفسه هو كيفية الدخول في المستقبل .إدراكا منا أن المجتمعات هي كائنات عضوية وعليها
فهي إذاً أنظمة حية متحركة باستمرار تحمل تحولات بنيوية - وظيفية مستمرة . وبالتأكيد
يصنع المستقبل بالمعرفة والوعي والإرادة ، فالشعور باليأس والإحباط والضعف هي حالات
طارئة يمكن استبعادها من أجل التفكير في تحقيق حالة اجتماعية أكثر إيجابية من الواقع
القائم لا سيما ذا كنا نحمل قدرا كبيرا من الإمكانات الموحدة أكثر ثراء وغنى وفاعلية
مما هو منظور وقائم الآن ، وبالتالي فعلينا
أن نعمل حثيثا على تحويل إمكاناتنا المتوفرة إلى قوة فاعلة من خلال السلوك والوعي المنظورين
والعمل الدؤوب لخلق واقع جديد يحل مكان الواقع الحالي . إيمانا منا بأن عملية الإنتقال
من واقع حاضر إلى واقع أكثر رخاء هي قانون الحياة وسنة التطور إذ أن وجودنا في أية
مرحلة كانت في الحياة مرتبط بل يجب أن يكون مرتبطا بأهداف وغايات يتطلب العمل على وعيها
وتحقيقها ،
لابد أن ندرك وقد
بات لزاما أن ندرك أن الحياة هي رسالة إنسانية والرسالة لها سمة الإستمرار والفعل والأفكار
والأفعال وكل ما تتطلبه هذه الرسالة من تعبيرات وتجليات فالحياة تمتلك مشروعية البقاء
والإستمرار والتأثير بمقدار تلاؤمها وإنسجامها مع المنظومة القيمية لرسالة الإنسان
بشكل عام ورسالة الإنسان في المرحلة التاريخية التي يعيش فيها بشكل خاص وبمقدار فعلها
التغييري الإيجابي في الحاضر وإستمرارها في المستقبل وقدرتها على بناء المستقبل المرغوب
والمنشود
.
نحن اليوم بحاجة
ماسة من أي وقت مضى إلى وثبة الغد المشرق في حياتنا وواقعنا ووعينا وحركتنا وفعلنا
، نحن بحاجة إلى أن نعيش مطمئنين دون أن يساورنا هواجس الخوف والقلق والضياع ، نحن
بحاجة إلى وضع وحالة مستمرة تخلصنا من وثبة الماضي ومن الحاضر الذي نحن فيه منقسمون
على بعضنا ، حاضر مليئ بالرؤى المتخالفة مما يتطلب منا البحث الجاد عن وضعية مستقبلية
فاعلة منفتحة ومتفتحة على العصر ومعطياته وإنجازاته وتحرر حاضرها ومستقبلها وتستعين
بقيمها وتستعيد ألقها وعظمتها وعراقتها وفاعليتها ، وامتلاك الوعي والقوة اللازمة لمواجهة
الأخطار والوعي الكافي لإدراك مخاطر التعددية المفرطة والإنكفاء الحزبي والتقليل من
شأن الآخرين وصد التحديات المصيرية ونستعيد أفضل رسالة حضارية إنسانية تلك الرسالة
التي قدمتها البشرية ، رسالة تحقيق الذات ، رسالة المشاركة الجماعية ، رسالة استبعاد وسائل الإقصاء والإستبعاد ، رسالة المحبة
والسلام والعدالة والمساواة على قاعدة التطور والتقدم الذي يرى المستقبل مسارا مفتوحا
له ، ومن خلال ذلك يتم بناء الإنسان الجديد المسلح بالفكر المستقبلي المسيج بمنظومة
قيمية تمكنه من السير على الطريق المستقبلي القادر على الاستمرار في حمل الرسالة وتجسيدها
في الواقع قوة وفاعلية .
ليست هناك تعليقات: