الشهيد عبدالرحمن قاسملو.. زعيم قومي وديمقراطي
بقلم: علي منظمي (Alî Munezemî)
ترجمة: عبدالعزيز قاسم
حياته: ولد عبد الرحمن قاسملو في 22 ديسمبر 1930 في ليلة (يلدا) في قرية قاسملو بالقرب من أورمية، بعد بضعة أشهر فقط من استشهاد سمكو شكاكي، من عائلة ثرية واستقراطية، والدته كانت امرأة آشورية تدعى نانه، ووالده محمد فسوق كان شخصية وطنية معروفة شارك ثورة الشيخ عبيد الله شمزيني (نهري) وسمكو شكاكي وقدم الدعم لجمهورية كوردستان في مهاباد برئاسة بيشوا قاضي محمد، بدأ قاسملو مسيرته السياسية في سن الخامسة عشرة مع تشكيل اتحاد الشباب الديمقراطي الكوردستاني خلال جمهورية كوردستان وعمل كممثل لجمهورية كوردستان في مدينة أورمية.
بعد سقوط جمهورية كوردستان وعودة نظام الشاه مرة أخرى واحتلال كوردستان الشرقية من جديد، واصل قاسملو دراسته وأكمل دراسته الثانوية في طهران وسافر إلى تركيا للدراسة، والتقى الشهيد موسى عنتر والمرحوم كاميران بدرخان وعملا سوية، ثم سافر إلى فرنسا عام 1948 لمواصلة تعليمه العالي، وفي اوربا شارك في تأسيس جمعية طلابية كردية مع بعض الطلاب الكرد في باريس.
في عام 1948 تعرض محمد رضا بهلوي الى محاولة اغتيال بالرصاص في جامعة طهران لكنه لم يقتل، وعلى أثر هذه المحاولة قام بهلوي بالغاء جميع الحريات الديمقراطية في إيران، وفي باريس أحتج طلاب إيرانيون على الأعمال المناهضة للديمقراطية للنظام البهلوي، وألقى قاسملو خطابًا قاسيًا ضد محمد رضا شاه ونظامه ولهذا ألغى نظام بهلوي منحته الدراسية، كما طالب من الحكومة الفرنسية بترحيله، مما أضطر للسفر إلى تشيكوسلوفاكيا وإكمال دراسته في جامعة براغ وحصل منها على درجة البكالوريوس عام 1952.
عاد قاسملو مرة أخرى إلى إيران بعدما استلم د. محمد مصدق رئاسة الحكومة، وبما أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني في طهران في ذاك الوقت كان يعمل كفرع لحزب توده (حزب الشعب)، عمل قاسملو معهم في طهران ولاحقاً في كوردستان. وبعد ذلك بعام تم الانقلاب على حكومة مصدق، اضطر قاسملو لمواصلة عمله سرا، وخلال تلك الفترة تمكن من إطلاق صحيفة "كوردستان" داخل إيران تم نشر 5 أعداد منها.
بعد العمل في كوردستان وإيران لعدة سنوات، عاد قاسملو إلى براغ في عام 1957 وعاد بعد ذلك بعام إلى العراق، حيث تمكن من تنشيط المنظمات الحزبية في شرق كوردستان، مع أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولم ينجح في مهمته بسبب الخلافات الحزبية، ومن ثم تم طرده من العراق بقرار من الحكومة العراقية.
عاد قاسملو إلى براغ وواصل دراسته ونال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد عام 1962 على أطروحته "الكورد وكوردستان" الذي كتبه وترجمته إلى عدة لغات، وكتاب الكورد وكوردستان هو وثيقة مهمة لإظهار أفكار د. قاسملو عن القضية الكردية وكوردستان، وفيه يعرف الشعب الكردي كشعب واحد وكوردستان كوطن واحد ووحدة قومية وجغرافية واحدة وكذلك بالنسبة الى تاريخ وثقافة الكرد واقتصاد كوردستان، ويدافع عن حق الكرد في الاستقلال وحق تقرير المصير حسب النظريات اليسارية (الماركسية اللينينية).
عاد قاسملو إلى العراق بعد إعلان اتفاقية الحكم الذاتي 11 مارس 1970 ونجح هذه المرة في خططه لتفعيل الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إيران، انتخب أميناً عاماً للحزب في المؤتمر الثالث للحزب المنعقد عام 1971، ومن ثم انتخب أمينًا عامًا لجميع المؤتمرات الحزبية في فيينا، ألمانيا، حتى استشهاده في 13 يوليو 1989 على يد دبلوماسيين إرهابيين من الجمهورية الإسلامية على طاولة مفاوضات في فيينا لإيجاد حل للقضية الكردية، ولسوء الحظ تم المساومة على قضية أغتيال د. قاسملو ورفاقه من قبل الحكومة النمساوية مقابل مصالحها الاقتصادية مع حكومة طهران الإرهابية.
2. قاسملو كقائد كاريزمي
يقول ماكس ويبر إن القادة الكاريزميين يتمتعون بمستوى عالٍ من القدرة والذكاء والمهارة وسمات الشخصية الفريدة التي من المرجح أن تظهر كمنقذ في أوقات الأزمات والأزمات لشعبهم من المحن.
القادة الكاريزميون عامل في التغيير ولديهم القدرة على تحويل تنظيمهم (حزبهم) إلى اداة تغيير اساسية، مثل هؤلاء أشخاص شجعان يمكنهم قول الحقيقة لشخص لا يريدون سماعه، إنهم لا يسيئون استخدام السلطة والسلطة ولديهم مجموعة خاصة من القيم والمبادئ التي توجه قيمهم والأشخاص المدركون والناضجين هم أولئك الذين يتعلمون من تجاربهم غير مغرورين بالنجاح ولا يعرفون اليأس عند الفشل، لديهم أحلامهم وتطلعاتهم الخاصة للمؤسسات ولديهم القدرة على تحقيق تلك الأحلام وجعل الناس يشاركونهم في تلك الأهداف. إنهم أناس أذكياء من حيث الخطاب (فن التحدث) ويمكنهم إنشاء صيغ استراتيجية جيدة وإلهام أصدقائهم (أعضاء منظمتهم) للوفاء بمسؤولياتهم بشكل أفضل. للقادة الكاريزميين علاقات شاملة واجتماعية ويتعاملون مع احتياجات وأوجه قصور شعبهم، كما أنهم يحبون المخاطرة الكبيرة في بعض الأحيان.
ولكن هناك فرق بين القادة الكاريزميين الأخلاقيين وغير الأخلاقيين، فالقادة الأخلاقيون لديهم عقل منفتح ويتقبلون الانتقادات والشكاوى والمظالم بشكل منفتح، وهذا يشجع زملاءهم على التعبير عن آرائهم بطريقة مماثلة، كما أنهم يفتحون أيديهم لأقرانهم حول الإدارة بحيث يمكن أن يكون أحد أسباب تعليم أقرانهم. يضع القادة الكاريزميون الذين يتمتعون بالأخلاق تقديم المصلحة العامة على مصالحهم الخاصة.
لكن القادة اللاأخلاقيين الكاريزميين يفعلون عكس ذلك ويريدون كل شيء لمصالحهم الخاصة.
دكتور قاسملو، ترعرع في عائلة ثرية، أيضًا كان شخصًا ذكيًا وذا معرفة واسعة، ويشهد الكثير ممن يعرفونه على قاسملو كقائد، ودبلوماسي، ومحاضر جامعي، وخبير متعدد اللغات، وسياسي، واقتصادي، ومؤرخ، وشخص يمتلك ثقافة عالية، متعلم متواضع، نشط، شجاع، محب للحرية والحوار والتسامح والنقد ومناهض للعنف والإرهارب.
الصحفي الفرنسي "كريس كوشيرا" يصفه على أنه موسوعة حية.
كثير من الناس على اعتقاد أن PDKI تحت قيادة د. قاسملو قد تطور بطريقة خيالية وأصبح حزبًا جماهيريا، لدرجة انهم يعتقدون أن د. قاسملو و PDKÎ يكملان بعضهما البعض.
اكتسب حزب PDKÎ في ظل قيادة د. قاسملو المزيد من الخبرة والمعرفة والقوة والسمعة، وهو ايضا في ظل راية PDK أصبح زعيمًا محترمًا في مجال النضال من أجل الحرية في كوردستان وأصبح شخصًا موثوقًا به بين أصدقائه وزملائه، وتحول الحزب الى أن أصبح حزبًا له برنامج ومبادئ سياسية وذا استقلالية.
عندما تولى د. قاسملو قيادة حزب PDK ، كان حزبا ضعيفا مشتتا ومتناثر من جميع الجهات، وجاء قاسملو كمنقذ له بالتعاون مع زملائه في توجيه عمل الحزب لتحقيق ثلاثة أهداف: الديمقراطية، والحق في تقرير المصير الوطني والعدالة الاجتماعية.
بعد انتصار ثورة الشعوب الايرانية على نظام الشاه، أعلن نظام الخميني الجهاد ضد الشعب الكردي وقاد حربا على كوردستان، في هذه الاثناء ظهرت حكمة وعظمة دكتور قاسملو في التصدي لحرب الخميني وكان له تأثير عميق على شعب كوردستان، حيث استلهم الآلاف من البيشمركة وقوات الدفاع الوطني من كلماته وشعاراته ونصائحه للتضحية بأرواحهم في سبيل الدفاع عن الشعب الكردي ومقاومة قوات الاحتلال الإيرانية.
قاسملو كان لديه القدرة على الكلام وأثناء الخطاب كان يلفت انتباه المستمعين إلى جانبه، ولازال كلماته وخطبه يثير الاعجاب التي بقيت حتى يومنا هذا لاضاءة الحقيقة، والأهم من ذلك كله هو أن د. قاسملو كان يملك قيمًا ومبادئ قوية لا تتغير، إيمان عميق بصوت الشعب (الديمقراطية) والمساواة، وحقوق الإنسان، وحق تقرير المصير للدول، والمبادئ المتعلقة بالحرب العادلة والضعيفة، وغيرها من المبادئ القيمة.
د. قاسملو كان شخصًا يكافح حتى يصل الى نتيجة مع أصدقائه وزملائه والتواصل معهم، شخصًا متسامحًا تجاه أصدقائه وأيضًا مع المؤسسات والمنظمات السياسية الأخرى ومن أقوله انه "ليس عدوا كل من ليس صديقا لنا"، واضاف "نتسامح مع كل من لم يحمل السلاح ضدنا".
قاسملو كان قائدا مخاطرا في حياته السياسية، ولسوء الحظ كان لهذه السمة الاثر في ان يفقد حياته في نهاية المطاف.
لم يكن قاسملو مجرد مثقف، إلا أنه كان شخصًا نشطًا وواقعيًا، لديه فهم عميق في تخطيط وإدارة تلك الخطط، وكما قال الصحفي الفرنسي مارك كرافيتز: "آمن قاسملو بأفكاره، وكان أكثر براغماتية في مجال تنفيذ معتقداته، سيتمكن بسهولة وبشكل جيد للغاية ربط عنف النضال المسلح مع شكوكه الأكاديمية ».
باختصار، يمكنني القول إن قاسملو كان زعيمًا كاريزميًا وأخلاقيًا لسوء الحظ، ولا يمكن للمرء الحديث عنه في مقال او عدة مقالات.
3. أفكار قاسملو حول الديمقراطية، الحقوق القومية، العدالة الاجتماعية
حيث يعرف د. قاسملو الديمقراطية بان أسوأ ديموقراطية أفضل من أفضل دكتاتورية، وكان يؤمن بالديمقراطية في جميع مجالات الحياة: في المجتمع، داخل حزبه، في التواصل بين الأحزاب السياسية وحتى مع الأفراد. يقول حسن زادة: "كان لديه إيمان قوي بالديمقراطية وحاول تعزيز الديمقراطية في المجتمع وداخل حزبه، حتى لو كان ذلك يضر بحزبه، كان يقول على الديمقراطيين ومن يطالب بالديمقراطية عليه ان يدفع ضريبتها ايضا وسعى إلى تدريب الكوادر وأعضاء حزبه بشخصية ديمقراطية، وكتب المبادئ والقوانين اللازمة لتعليم أعضاء حزبه على "المبادئ الديمقراطية" حتى يتمكن أعضاء ذلك الحزب من ممارسة هذه المبادئ وتحسين شخصيتهم الديمقراطية. يقول نوري دهكوردي: "لقد درب قاسملو الكثير من أعضاء حزبه على قيم الديمقراطية الداخلية للحزب والرؤية السياسية والواقعية"، لدرجة ان أعضاء حزبه وصفوه بأنه "مدرس الديمقراطية".
وفي الحقوق القومية عرف د. قاسملو الشعب الكردي كأمة واحدة وكوردستان كوطن واحد، على قاعدة الاعتراف باستقلال وحقوق الشعب الكردي، وكان يتطلع الى يوم "يتحد الكرد في جميع اجزاء كوردستان لقيام دولتهم المستقلة، وكان لا يرى ذلك تقسيم لأي دولة، وانما توحيد أمة مجزأة بغير إرادتها ". عندما كان قاسملو يتحدث عن الحكم الذاتي لكوردستان الشرقية، فقد كان يؤيده كخطوة أولى نحو الاستقلال وكان يسميها "الفن المحتمل". أي أن "المرء يحصل على شيء، ثم يعمل على شيء آخر ويخطو خطوة أخرى إلى الأمام".
في العدالة الاجتماعية:
حدد الدكتور قاسملو الذي عارض دائمًا الاستغلال البشري، الاشتراكية الديمقراطية على أنها الهدف المستقبلي لحزبه، والذي تمت الموافقة عليه في المؤتمر السادس للحزب عام 1983. إن الاشتراكية الديمقراطية التي هي وسيلة لتحقيق العدالة في مجتمع ديمقراطي، قريبة جدا من رأي الفيلسوف الأمريكي جون راولز. لكن الفرق هو أنه أراد العدالة لمجتمع ليبرالي، لكن د. قاسملو كان يريد لمجتمع اشتراكي، والاشتراكية التي كان يتحدث عنها د. قاسملو لم يكن تلك الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية، وكان يقول "نحن نطالب بالاشتراكية بما يتوافق مع خصوصية بلادنا"، ومع ذلك لا نريد الاشتراكية بدون ديمقراطية.
4. الخلاصة.
شارك قاسملو مايقرب من 44 عامًا من النضال من أجل خلاص شعبه واستشهد في نهاية المطاف على طاولة المفاوضات على يد دولة طهران (جمهورية إيران الإسلامية). كقائد كاريزمي وأخلاقي، له تأثير عميق على عمل الأمة من أجل الحرية والحقوق الوطنية حتى يومنا هذا. لقد كان ديمقراطيا ولديه شخصية قوية وتعددية، وفي 13 يوليو 2022 يصادف الذكرى 33 على استشهاده، نتذكره عاليا وسنستمر في طريقه نحو تحقيق الاهداف القومية".
ليست هناك تعليقات: