وطنٌ في مهبِ الشِعر - عبير دريعي
تَاهَتْ دروب الخَريفِ بِنَا
وتَاهَتْ بنا البِلاَد
وَضَاعَ الشِعرُ من الألفِ إلىَ الياءِ
لاَ دِفءَ في الحروفِ
وَلاَ مَفَاتيحَ للغةِ
فَكُل بيوتِ الشِعر مُغلقةٌ
وصار الشِعر طقساً تُمارسه الفَتاة
كُلما هَامت بالبَياض
تَنْتَشلُ من قَعرِ البئرِ قَصيدةٌ
فَمَا كُلُ القَصائدِ " يُوسف
"
لَكن بِكُلَ البِلادِ أوكارً للذِئَابْ
وشُعراءٌ مَهزومُونَ ... مُنتصرونَ
مُتَوهمون .....
يَرفَعوُن عَلامات النَصرِ
بأصَابِعِ من طِينٍ
وإشاراتٍ ضَوئية
لِسياراتٍ باذخةٍ فارهةٍ
فَأيُ شِعرٍ أكتُب لأيِ بِلاد .. ؟
وبِلاديِ خَيمةٌ في مَهبِ غِيابْ
وَمَن ذَاَ يَزرعُ الحَقلَ ؟
وَمَن ذَاَ يُضيءُ النَهارَ ؟
وَمَن ذَاَ يُغني بالأُمسِيَاتْ؟
وَمَن ذَاَ يَمسح العُشبَ ؟
وَمَن ذَاَ يُزنر خَاصرةِ النَهرِ
في كُلِ هَذِا الضِيَاع؟
فَلقد جَف نَبعُ الشِعرِ
وَتَاه الوَرقَ والحِبرُ
وَتَبَددتْ الصُورُ
في أكاذيبِ شِعرٍ بالهواءِ
فكُلِ صِورِ الشِعرُ بَاهتَةٌ
وَكُل مَا يُرَّدد هُرّاء
وَتَظَلُ وَحدها شَجَرةُ الحَياةِ
تَكتُبُ قَصَائداً خَضرَّاء
تَفرشُ ظِلها في يَقينِ العَرَّاء
بَلدُ القَمحِ والنَخِيلَ الزَيتونَ والتَينِ
أهذا هُو البَلدُ الأَمِينْ
بَلدٌ لاَ أَينَ لَهْ ؟!
البَلدُ الذيِ كَانَ ..
" كان" و" متى " و
"كيف "
وإلى أي طَريقٍ يُفْضِي
وهذا الجِسرُ الأسودُ
لاَ أحدَ يدري !. لا أحد..!!.
أي شِعرٍ أكتُب ولِأي بِلاد ..
وأنا التي كَتبتُ قَصائدي
بلونِ الحِنطةِ وَأَريج العَبير
مُتشحةٌ بِحزُنِ نايٍ عَتيد
تَجوبُ شَوارعَ عَامودا تَهذِيّ
بحديثِ سِيَاسةٍ وَخَرائطٍ وَحَشيش
بحديثِ القتلة المَأجورين المُخبرين ..
عَنْ الزُنَاةِ عن العَاهِرَّات
عَنْ شِعرٍ نَهراً من عَوسجِ
يتسربل برغبةِ فَساتينٍ مِيِتَانِيَةٌ
عَنْ شَهوةِ شَرمُولاَ تَرتدي الصَمتُ الأَزلي
تروي ضِفَاَفُ الَلذة
المُمتَدةُ من أولِ بِلادُ الله لأَخرِ
اليَباب
حَيث صَهيِلُ خُيولٍ نَامت مُنذ حَريق
لَم تكن القَصائد تَتَسول الصور
من " سَيْنَمَاِ شَهرَزَاد "
كانت لقصائدي رَائحة النَعنَاع
وقَساوةِ الخَرنوب
كانت بَرية من بوحِ خَريف العُشاق
ومَا كنتُ شاعرةٌ بَكماء
ومَا كانت أَصابعي مشلولة كالأحلامْ
كُنتُ أرفع سَبابتي بوجهِ ريحِ الأَعداء
كُنتُ أرفعها بوجهيِ
حين يَجن الغُبار في تقاويم الريش
وَدِيكٍ يَعتليِ دَجاجةٌ
حين أصابعي تُشيرُ إلى الداءِ
والريحُ تُتقن لُغة نوافذنا الشَرقية
والقُرى تُتقن لغةُ الغَيمِ
فأيُ ريحٍ رَمَادية عَصفت بالأنواء؟
حَيثُ فَرَّتْ مِنا الكَلمات
ورَحلت عَصافيرُ بَيادرنا
وأكبادُنا تمشي لتجتاز الحُدود
يفرون من سَعيرِ الغَلاء
كالكلمات من القصيدةٍ
كالطيورِ الخائفةُ
من بارودةِ الصياد
بحلقة مُفرغةٌ ندور وندور ..
لا أبواب نخرج منها لنعود إليها
وحدنا لاَ سُؤال ........
فكلِ الحياةُ أسئلةٌ
وكلُ الإجاباتِ خَرساء
وقد أُحرِّقت ريشي
وَلُوِثَتْ فَساتيني بِطِينٍ
فَمن يَغسلُ أثوابي
ويعيد إليَّ وجهي والريش
والوطن لا يمهلني الوقت
لأغسلَ وجهي والنَهرُ بَعيد .....
والمَطر لم يَعد كافياً
ليغسل خَطايا الهواء
والمسافاتُ تائهةٌ بين هُنا وهُناك
خُطوةٌ بين وجَهك وقَلبي
وحَكايا مألوفةٌ بين دروب الحفاة
فأريجُ الزَهرِ ليس لي وحدي
تخونني الخُطوات والمَسافةُ أُنثى
أشهى مِن طوقِ خَمرةٍ بَيضاء
يَثْمَلُ بها دروايش الطريقة
وهم ينتظرون كؤوسٍ
ونساءٍ عَاريات تأتي بها السماء
قبل أن يَبدأُ التِيهُ ثُمالته القُصوى..
فأختار له صوراً لا تشبهه ولا تشبهني
مثل سادن أُبعثر خرزي... أرفع سَبابتي
أتعوذ من رجسِ الإنسان
مَن أخرجني من سورة "النِساء"
وكنت قبلها أقاسمك رَغيفي
وأيقظتُ لسانك بالغناءِ
أيها الظَاميِ
كُنت أبتهلُ قريباً من السرابِ
َلم نَرّْتوِ من ماءِ بئرٍ
سَيبقى الوَطن حَاضنة
حين لاَ يَبقْىَ على الغُصنِ الوَرق
في جنونِ الحَربِ والعاصفةُ
حين لاَ يَبقْىَ لنا غير الأَرَّقْ
وكان اللهُ يَرىَ وأنتَ أيضاً
أَلَستَ أنت مَن رأىَ كُل شيءٍ
في هذي البلاد
رأيتَ اطفالاً يموتون
وأطفالاً يسيرون بقدمٍ واحدة
رأيتَ بشراً يَنامون بالعراء
يلتحفون الخيمة
يُشعلون دمهم سِراجاً
أَلَستَ أنت من رأى كل ذلك
رأيتَ نساءً يُغتصبن يُسفحن
رأيتَ الطفولة تُستباح
كان بيدي بعض ضَوءٍ
أولج به عتمتك وأفتح نوافذك
ألم تكُن هُناك
حين كان الغُراب يُواري سَوءةِ حِقده
بهذي البلاد ..
قُل لي .. من يَرُدَّ عَني
طعنات العَطش.. والغياب.. ؟
ليست هناك تعليقات: