سيِّر مُلتمَّة في " الشظايا الخمسمائةِ" لسليم بركات- غمكين مراد - اتحاد كتاب كوردستان

728x90 AdSpace

شائع
الخميس، 4 يناير 2024

سيِّر مُلتمَّة في " الشظايا الخمسمائةِ" لسليم بركات- غمكين مراد

 

سيِّر مُلتمَّة في " الشظايا الخمسمائةِ" لسليم بركات

                                 


            Pênûsa Azad-hijmar-16                    

 

الحياةُ مَسٌّ من سحر العبثِ ورمي الصدفةِ لأسئلتها الشكِّ من اليقين المنفيِّ تحت ظِلال الشجرةِ السُمِّ في جنة الغيب.

حينَ تُقذَّفُ الرُّوحُ إلى الحياةِ وتعيشُ مسَّ سحرها، تنتثرُ كضوء، تتكسرُ كشظايا، تتبعثرُ كأحرف وكلمات ولغات ثم تعيش الحياة أو تسير في الحياة لِلملمةِ ما انتثر وانكسر وتبعثَّرَ في الكون المُتسعِ أنفاساً صُراخاً وعمراً بشكيمةِ جنونٍ لما هي متاهةُ ولوجِه.

في مجموعة " الشظايا الخمسمائة " لسليم بركات، يمضي سليم بالكلماتِ إلى عرائها وبالجهاتِ إلى خوائها وبنفسِه إلى العدمِ الحقِّ من الحياةِ، ويقف بدهشة السؤال: " أين يمضي الذي لا تلمسُه يدايِّ؟ "، وبنفس الذهول يُربِّكُ السؤال بجوابِ أُسلوبٍ لحياةٍ أو ندٍّ لحياة:

" خمِّنوا ما أُخمِّنُهُ: إنُّه السراج الأخير مُغذىً الشُعلةِ بزيتِ الجنون".

كهروبٍ أو كبُعدٍ لما هو فيه وفينا على حدٍّ سواء كأُناسٍ تورطوا بالحياة ولم تستأنس هي بهم ولا هم تآلفوا معها، كملجأٍ أو كانتقامٍ أو كنسيانٍ أو حتى كغريزةٍ يُلَوِّحُ سليم بالجسدِ كرايةٍ لا بل كوجهةٍ للانغماسِ والحلولية فيما توخِزُ الرُّوحُ من الحياةِ على أساسٍ فلسفي، أنَّ الجسد راحةُ النَّفس: " أشعل جسدكَ حينَ لا يشتعلُ قلبكَ".

رُغم عنوَّنةِ الكتاب بالشظايا، إلا أن سليم الروائي الشاعر يُلخِصُ سيرةُ السردِ روايةً أو مقالاً أو سيرةً حقاً بلُغةِ النار: " ؟أعرفُ مُحاكاةِ النثرِ للنار".

الغيابً للغيب يُقوِّلُه إلى تأويلات قد لا تؤوَّل وتُسقِطُه بمواضع التوصيف الفانتازية أحياناً والسطحيةِ أحياناً أخرى: " إنَّهُ جذب السماء من ذيلها عالِقةً في جُحرِ ابن أوى".

في رُوح الساكنِ في الحياة والعائشِ لا مُنتمٍّ إليها، حَسبُّهُ يتفرجُ على الظاهر منها وتؤدلِّجُ رُوحُهُ مع فكرة الحياة التي لا بُدَّ أن يعيشُها، تكونُ الحياةُ الوجودُ دودةً تنخرُّ شجرة الرُّوحِ تلك: " نزفُ قطرةٍ من الدمِ صباحاً يُزيحُ الصباح

        نزفُ قطرتينِ يُزيحُ الوجودَ".

كُلُّ ما لا نعرِّفُه نجاةٌ منا من أنفسنا، نجاةٌ لنا من غيرنا عاشنا، وكُلُّ ما نعرِّفُه بنَّظرٍ وملمسٍّ، وشمَّ روحنا، غرزَ حِربةِ الألمِ بعيداً في أعماقنا في وجودنا في آننا في غدِنا في كُلِّ ما هو نحنُ فيه وليس لنا: " سنحتفظُ بالرسائلِ مُغلقةً لا نُريدُ قراءَتها

                    هي الأجملُ مُغلقةً

                    هي الأنعمُ مَلمساً لمّا تَزل مُغلقةً

                    هي – مُغلقةً- لمسةُ لم يلمسنا بها أحدٌ".

الوجودُ النزَقُ هو الوجودُ العُمقُ في الحياةِ القِناعِ، الوجودُ العيشُ هو الإيمانُ بِقناع النِّفاقِ ظاهراً في مُجاراةِ العاهرةِ الحياةِ مُقنَّعةً بالغيب المستور: " إيمانٌ لصٌ بالإله اللصِّ".

هباءً كُلُ الحروب، حتى الحربُ الحياةُ هباء، وكُلُّ المعارك الضاريّةِ بين ذاتك المُتشظيِّةِ داخلكَ، والمُبعثرةِ خارجكَ هباءُ يقظةِ الشكِّ في الأُسِّ من كُلِّ هذا اليقين المقتولِ في الحياة:

" سبعُ معارك، أو سبعون، لا تُحدِّثُ فرقاً في الموت".؟

في العُمرِ المجرور بالحياة، وحده الخطأ وحده الخطأ من النبالةِ بأن لا يكون سواه حياة، إن أخطأتَ كُنتَ، إن أخطأتَ عشتَ، إن ؟أخطأتَ خلقتَ: " شيِّدوا صرحاً من الأخطاء النبيلة".

سليم لا يأبه لانتخابات واقتراعات الحياة وحدهم الموتى يعملون على إنقاذ الحياة، حين يقرعون بالموتِ خلاصها: " موتى يقرعون على انتشال الحياةِ من حُفرتها".

وإن كان للحيِّ يصلُ بمقامه إلى الميت، لا بُدَّ أن يكون فيه من الجنونِ الحقِّ الذي لا يفتر ولا حتى يأبه بكُلِّ الحياة، إلا بما هي فيه، إلا بما هي من خَلقِه: " لا يملكُ الجنون صفحاً كي يصفح".

عادي ومن الطبيعي جداً أن يُدلي كُلّ إنسان بالقول والكلام والرأي وإطلاق شعارات ومُشتقاتها، لكن من الصعوبة أن تكون روح ؟أقوالك وكلامك ورأيك مُجسداً لشعاراتكَ في الحياةِ الفجَّةِ والمُقلَّمةِ للأرواح بحسب ما يتلاءَم وكينونتها المُتطاولةِ كأفعوانات رأس ميدوزا في كُلِّ اتجاه وبكُلِّ سُمّ: " سهلٌ أن تقولّ كُلَّ شيء

                              صعبٌ أن تحتفظ لنفسك ببعضه".

جليٌّ جداً المغزى الأعمق من الكتابةِ وهو المغزى الأصدق في سَكبِ الرُّوح حبراً على الجسدِ الورقةِ والمُضيِّ فيهما وبهما روحاً وجسداً كحياةٍ حقَّة تُستلذ: "؟ علمتني الورقةُ أن أكون حبرها".

سيِّان أن تعيش العذاب لُذةً، وأن يعيش فيكَ العذاب مُستلذاً، كُلُّ الخيارات وكُلُّ النفورِ للعذابِ من العذاب هو الهاجسُ المُعذَّبُ فيكَ ما دمتَ قد اخترته أو حتى أبعدته، هو السكونُ منكَ والمشغولُ فيكَ وبكَ: " ما لا يُعذِّب هو مُعذَّبٌ أيضاً".

مُطلقٌ الموت، بوصلةُ كُلِّ الجهاتِ والوجهات الموت: " الموتُ مهندسُ الأمكنةِ، ومعماريُّ الخوف".

القلقُ كشَّاف خارجاً وداخلاً، إما خارجاً فكلوحةٍ مرسومةٍ على الملامح، وأما داخلاً فكتذبذبِ الرُّوحِ كُلِّها وارتعاش الجسد، لكن ما يُظهِّرُه كصورةٍ تُرى: " لا يُقلقُني قلقي، بل ما لا يُريدُ قلقي أن يُريني".

كُلُّ الخير وكُلُّ الشرّ مضمورٌ بما يجولُ في الداخلِ من نيِّةٍ، كُلُّها تحملُ أوجهاً في داخلها دون الخارج الذي تفعله، أقنعةٌ تُخفي بالخارج ما يجولُ في الداخل، عَدلٌ منافق:

" جرائمٌ خيرية، / مجدٌ حسودٌ، / كُرسيٌّ وحيدٌ، فارغٌ على السطح. / ساحراتٌ ومكانسهن / ركضٌ طويلٌ مع الأشباحِ في غابةِ التنوب، غادِروا بلا أقدامٍ / سيمنحكم الخَبَّلُ أقداماً أُخريات".

ما الحياةُ إلا جرمٌ من الكون التائه، لا حقيقة فيما كان البدء بالخلق هكذا، سليم يرِّدُ مَبعث الحياةِ إلى المتاهةِ حين خُلِّقت دون مدخلٍ ودون مَخرجٍ: " لم تكن الأيامُ سبعةً قطّ، / لم تكُن على حالها مُتقصفةً تحت أثقال اليوم السابع – المتاهةُ بلا مخرج".

في هكذا واقع هُناك غربٌ، هناك شرقٌ، هناك واقعُ حياة، هُناك أُسطورةُ ماضي، هناك حجري نرد لكليهما الشرق والغرب، الغرب يُعيدُ إحياء العُمق من أسطورة الشرق، الشرق يُزخرفُ عُمقه بظاهر الغرب دونَ عُمقِه، ويبقى الانقسامُ عالمياً واقعَ حال: " غرباً تزدهرُ مجالس العائدين من أساطير الشرق".

يتيماً يبقى من يعيش الحياةَ دونَ الحياة: " ما يوحِدُ الظلام يوحِدُ الليل".

لن تكونَ حقيقة، لا حقيقة، لا حياة حقَّة، لا عيشَ حقّ، لا كتابة حقَّة دونَ سَبّغِ الجنونِ على عُصاراتها كُلِّها في كأسٍ لارتشافِ نبيذها: " ؟املأوا أقداحكم بالحقائق مُذوَّبةً في عصير الثمرةِ المرجانية / اكرعوها...يكرعُ الجنون الحقائق مُذوَّبةً في عصير السفرجلةِ المِزَّةِ".

مُنسليِّنَّ من رحمٍ مائي بقذفٍ مائي إلى بحر الماء الحياةِ، مُتلصصيِّنَ ندبُّ على الحياةِ بِظلالٍ تخونُنا، وبوجودٍ تائه يقودُنا، كُلُّ ما يجمعها الجُرحُ الوجَعُ والجُرحُ الخروجُ والجُرحُ العيشُ:

" المائيُّ جُرحٌ

كُلُّ نسلٍ مائيٍّ جُرحٌ".

أوشامٌ مُدبغةٌ بإبرةِ الآهةِ، تلك الجروحُ، سِّرُ الأنفاسِ المُتعبةِ هي الجروحُ، صكُّ العيشِ الحياةِ

هو الجُرحُ:

" كُلُّ جُرحٍ حليفٌ

كُلُّ ندبةٍ مؤنة

كُلُّ خدشٍ عقدة".؟

هي ليست شظايا ما كتبه سليم بركات هنا، هي سيِّرٌ تشظَّت ثم التمَّت لتكون الكائن التائه في الحياة التائهة، هي السيِّر المدونةِ حفراً في الرُّوح، نحتاً في الجسد ليُدير العمر دورة غُرتِه ومنفاه فيما يُكنى بالوجود.

الكتاب: الشظايا الخمسمائة

الكاتب: سليم بركات

الناشر: دار المدى ط1 2021

 

 

سيِّر مُلتمَّة في " الشظايا الخمسمائةِ" لسليم بركات- غمكين مراد Reviewed by Yekîtiya Nivîskarên Kurdistana Sûriya on يناير 04, 2024 Rating: 5   سيِّر مُلتمَّة في " الشظايا الخمسمائةِ" لسليم بركات                                               Pênûsa Azad-hijmar-16       ...

ليست هناك تعليقات: