البحث عن الزائد الدودية - عبد الهادي درويش - اتحاد كتاب كوردستان

728x90 AdSpace

شائع
الأحد، 17 مارس 2024

البحث عن الزائد الدودية - عبد الهادي درويش

 

البحث  عن  الزائد  الدودية





Pênûsa Azad hijmara hivdeh 17`ê

عبد الهادي درويش

سأروي لكم فيما يلي حكاية الزائدة الدودية التي اختفت ،أولم تظهر أساساً في عتمة ليلة أعماها ضوء "الإيكو ".

هذا المرض كان معروفاً منذ القدم باسم (القولنج التركي )يفضي بالمريض إلى حتفه لندرة الأطباء وجهل الناس بطبيعته, وطريقة علاجه.

حدث هذا في بداية الألفية الثالثة للميلاد ،أي في عصر العلم والتكنولوجيا الحديثة وتقدم الطب واكتشاف الجراثيم !!!

قال الحاج جميل وهو حمو المريضة  نفسها التي زعم الأطباء أنها تعاني من الزائدة الدودية بعد أن عجزت الطبيبة المختصة بالعلل النسائية عن العثور على وجود الجنين في الأيام الأولى من تكوّنه وكان أهلها يعتقدون أن تلك الأعراض هي أعراض الحمل المبكر لكنها (أي الطبيبة )خيبت آمالهم بعد أن ذهبت محاولاتها سدّى، فأرشدتهم إلى طبيب مختص في قسم الأمراض الداخلية  لعلاجها من الزائدة الدودية، حسب التحاليل المخبرية والسريرة، والحاج القروي المسكين ذو اللحية الكثة نفذ مع أهله تعليمات الطبيبة تلك، بعد أن تأكد له أن الطبيبة أحسنت صنعاً،

كان هذا الحاج الورع، التقي، الطيب القلب، الشديد الحب لابنه متيماً به إلى حد الهوس وقد انعكس عليه هذا الشعور فأحب عروس ابنه، ولم يرافقهما إلى الأطباء إلا بدافع هذا الشعور الإنساني النبيل, ولم يكن آنذاك قد مضى على زواجهما أكثر من شهرين, أما ابنه المسكين فقد اضطر إلى مغادرة ذويه وعروسه إلى العاصمة بغية العمل هناك, تاركاً زوجته الشابة في كنف عائلته ...وذاك كان شهر  بؤسهما ! إن الحاج لا يدري  ماذا  يجري  وماذا  يراد به سوى أنه كان يمتثل لطلب ابنه الأصغر " جودي " .. وهذا " الجودي  " ترك المدرسة ليساهم في إعالة  أسرة والده الفقيرة ولكنه كان يبرر خروجه للغرباء لأنه لا يتمتع بالجنسية وأن الدراسة لا معنى لها وممّا يقال عنه: إنه كان شديد التعلق بالدخان، لم يطل الوقت في العيادة الداخلية كثيراً فحولهم الطبيب إلى قسم الجراحة، وبعد إجراء الفحوص الضرورية وإجراء التحاليل التي لا بدّ منها لمعرفة الحالة المرضية كانت واحدة ( اشتباه بالزائدة ) طال غيابها عن القرية وأصبح القلق يُساور الأهل والأقرباء وكثر القيل والقال قريباً من دارهم، ووفدت النسوة من جميع الأزقة لعلهنّ يسمعن أخباراً جديدة عن المريضة ... التحق البعض بأهل الدار والبعض الآخر عاد أدراجه بعد أن أرخى الليل سدوله وفي اليوم الثاني أسرع الأهالي إلى عقد المجلس أمام الدار، قال أحد العجائز:

- إنها الزائدة الدودية هذه القولنج التركي لا يكف بلواه عنا، لقد سمعت إنّ  نتائج التحليل لن تظهر بعد، ومتى ظهرت فإن الأطباء سوف يقتحمون مكمن الداء وسوف يُبددنه ،"  ثم تابع " إن الأمر هيّن، ولا يحتاج الأمر إلى هذا الخوف.

وأردف أحد الشباب بثقة بالغة: لقد تقدم الطب عندنا وهذه العمليات يُجريها طلاب كلية الطب .

قال أخر هامساً وكأنه متيقن كل اليقين: إنه ذاك المرض الخبيث وهو يهز رأسه ما أحقره.

وفي اليوم التالي التحق بهم  أخو المريضة وخالها على دراجته النارية، بعد أن سار على الطريق الترابي مسافة ستة كيلومترات تطاردهما كلاب البدو المنبثة على جنبات الطريق حتى وصلا إلى الطريق العام  المُعبَّد  وكان رديفه على الدراجة معلم المدرسة السابق  يرشقهم بالحجارة ، وكان يحمل الأستاذ لهذا الغرض،

سرح الأستاذ شعره بعد أن وصلا إلى " كازية الأمانات " وكذلك أبو آراس  حاول أن يُغطي شعره الذي وخطه الشيب، وبعد صمت طويل ونجاتهما من ملاحقة الكلاب أخبرا السائق أنهما متوجهان إلى مملكة الحب.

وفي " الكراج الكبير " استقبلهما الأطفال بائعو الدخان المهرّب والعربات الخشبية ذات العجلتين  التي يجرها البشر ... وبذور البطيخ المسلوقة المعرضة على متن هذه العربات، وعربات أخرى تعرض الدمى وألعاباً للصغار، وكذلك بائعو الخضروات بصراخهم الذي لا ينقطع.

اقترب أحد الأطفال من المعلم وهو يصيح: كلواز..... كلواز ....كلواز  هل تريد كلواز يا أستاذ؟

فاستغل الأستاذ الفرصة وسأل الطفل عن "  مشفى النهب " فهناك ترقد أخته المريضة منذ اليومين، أشار الطفل إلى إحدى الجهات وقال:

إنه يقع هناك وأخيراً عثرا على موقع المشفى بعد طول السؤال واستفسار من الحراس والعسس والجنود  والمتسولين على الأرصفة ، وفي المشفى كان في استقبالهم فتاة مسترسلة الشعر، بشفتين حمراوين، وعينين زرقاوين، تسترخي على أريكة خلف المنضدة تعزف على الهاتف بإتقان شديد ... كانت على غاية من الجمال والجاذبية ... كان حسنها الأخاذ يسبي النفوس ويأخذ بألباب الزوار ورقة حديثها تمثل المشاعر وتستبد العقول ...نظر إليها المعلم فراقه ما يرى من الفتنة والحسر، وكاد أن ينسى أخته المريضة, ، لقد كانت أمل  بحديثها الشائق تنسي المرء شقاءه وعلله وأسقامه ، باغتهم أبو  آرا س  وهم في غرفتهم المطلة على الشارع  حيث تبدو حركة المارة  جيئة وذهاباً، قال  متلطفاً –" ما شاء  الله إن أمل لم  تبطل حكاياتها.

فرد الحاج: أهلاً وسهلاً ، لم حضرتم يا أخي ما من أمر يدعو للقلق

- جزا كم الله خيراً ... المهم كيف حالها الآن ؟

- لقد احترنا يا أخي ... تارة يقولون: إنها الزائدة .. وتارة شبه الزائدة ... لقد دوّخونا بالتحاليل التي لا تنتهي ...وما علينا إلا أن ندفع هنا وهناك حقاً إننا تهنا.

- إنهم لا يرحمون أحداً  متى وقع بين أيديهم!!

هل تصدق أيها الحاج أنني في هذا اليوم عندما دخلنا المشفى رأيت أحدهم جالساً على كرسيه خلف منصته الأنيقة ينهالُ على" سندويشه " طويلة عريضة يحدث إحدى النساء وقد خرجت حديثاً من المشفى: ومن أين سنحصل على ثمن السندويشة إن لم نفعل هذا وذاك ..

قال الحاج هازئاً: لعلها عاتبتهم على الأجور الزهيدة التي يقبضونها من روّاد المشفى.

ثمّ توجّه أبو آراس إلى المريضة وعلى ثغره ضحكة ساخرة،

- كيف حالك يا بنت أختي؟

- كما ترى يا خالي.

أما جودي فقد كان عظيم الفرح بقدوم الأستاذ " زين الدين " ليرافقه في رحلاته المكوكية فهو يعرف معالم المدينة  أكثر منه، فخرجا في الحال لجلب التحاليل إلى الطبيب المختص " زنار " بأمراض الجمجمة والأعصاب ولشدة انفعاله خبط الأستاذ بيده على رأسه وقال بأعصاب متوترة: وما علاقة الرأس بالبطن؟

- لا .. هكذا أُخبرِتُ بأن الدكتور . زنار هو أحد أقارب أقربائنا وأنه لن يخذلنا . خرج الشيخان معاً يتجولان في ردهات المشفى وممراته الكثيرة ينظران إلى كل شيء   يمران به من الغرف المختلفة التي يقيم فيها نزلاء المشفى وإلى الذاهبين والقادمين  ...والممرضات ( ملائكة الرحمة ) قال الحاج:

- إيييييييييييه كم أصبحت الدنيا سهلة ممتعة.

- لم يبق أيُّ شيء على حاله...ما كنا نعرف سوى الدكتور قاسم 

آه ... كم كان نشيطاً ومجتهداً!

- ومع ذاك كان مدمن خمر ( ثم تناول قبة قميصه وحركها بلطف علامة تهرب من هذه التهمة

- هكذا كان الناس يقولون ، ضحك أبو آراس وهو يتذكر موقفاً من مواقف الدكتور قاسم الساخرة التي عرف بها- منها : ذات يوم دخل عليه أحد المرضى وقال له الدكتور: اذهب إلى السرير وتمدد عليه ، فصعد السرير وظلّ واقفاً منتصباً، ثمّ سأل المريض ماذا أفعل ؟ فأجابه الدكتور قائلاً: أذّن !!!

وقفا على إحدى الشرفات يمعنان النظر في أكياس القمامة المُكوّمة فوق سطح إحدى المباني المجاورة  للمشفى، المطلة على الشارع، و الاضطراب والقلق لا يفارقان ملامح الحاج، كانا يتحدثان في خلسة عن النسوة اللاتي تركاهن وحدهن إلى جانب المريضة قال الحاج في حزن وأسى: لقد هلكنا منذ الأمس، وهذا الجراح يصرّ على إقامتنا هنا . قاطعه أبو آراس – إنهم أطباء يعرفون ماذا يجب أن يعملوا ومن الصعب أن نفهم مثل هذه الأمور المرض والفقر أيضاً ؟ ثم قال وقد تذكر أعراض الزائدة الدودية، يا أخي إذا هاجمت الزائدة الدودية أحداً فإنها ستجعله يطلق الآهات التي تبلغ عنان السماء وتعرضه لآلام مبرحة، أما هذه فهي صامتة كصمت الحجر  ، لعلها تشكو من أمر آخر لا سمح الله.

- أرجو ذلك.

- ألم تذهب إلى الصيدلاني (جوان ) فهو يعرف أكثر من هؤلاء الأطباء، ثمّ إنه ابن سيد حسو ابن قريتنا وعليه أن يسعف  أهالي قريته وينقذهم  وهذا من واجبه وينبغي له ذلك.

- ومن قال لك أننا لم نذهب إليه آية ذلك سلم كتاباُ إلى جودي لإيصالها إلى الطبيب الجراح.

في هذه الأثناء قدم الشابان وهما يزفران ويشهقان بعدما بذلاه من الجهد صعوداً على الدرج، سرعان ما أحاطت بهما النسوة, وبدأت  كل واحدة ترشقهما بوابل من الأسئلة المختلفة ، قال لهن جودي:  على رسلكن، ليس هناك أثر للزائدة  ... الزائدة لم تظهر في نتائج التحليل وسوف اتصل بالطبيب الجراح  فيما بعد، فصاح الرجال والنساء: إذن ... ليس من شيء جديد.

قاطعتهم رنكين وكأنها على عجلة من أمرها، قالت: في غيابكما أخبرنا الطبيب الجراح  المطلوب من أمل أن تكثر من شرب عصير الفواكه فإذا تقيأت، وقذفت جميع ما شربت من العصير عندئذ سيجري لها العملية، تدخل الأستاذ: فإن لم تتقيأ؟

- لن تكون هناك العملية .

انحدرت الشمس إلى خدرها قليلاً وأدركوا أنهم سيبيتون ليلة أخرى لا محالة ، ونتائج شراب العصير معروفة سلفاً  لأن المريضة في حالة غثيان دائم وعلى الرغم  من ذلك ذهب البعض لجلب الفاكهة من السوق السوداء حيث تزدحم بعربات الفقر  المنتشرة على الأرصفة التي يصطدم بها كل من دخل تلك الحوانيت التي تتراقص فيها أسراب الذباب !

وأخيراً حُضِّر العصير، فشربت العصير على كره منها متقززة مما تفعل، كان الجميع ينظرون إليها وكأنهم يقولون لها: اشربي ,,, إنه الدواء ... إنه المفتاح  لخروجنا من هذه المكان .

أطل الدكتور برأسه من فتحة الباب وهو يُداعب بسبابته سلسلة  معدنية ناعمة، كان يحركها فتلتف حول السبابة  ثم تنحل عنها بحركة عكسية وهكذا دواليك بينما كان الحاضرون ينظرون باستغراب إلى عبث الطبيب بالسلسلة، قال بلهجة أقرب إلى السخرية: كيف حالها.

رد الحاج بعدما هبّ واقفاً على قدميه.

- اسمع يا حجي، قال ذلك فاشرأبت إليه الرؤوس وأرهقت الآذان، قالوا في دخيلة أنفسهم  سمعاً وطاعة، قال: إن العملية ستجري ولا بد منها سواء تقيأت أم  لم تتقيأ، إن الزائدة موجودة بالفطرة وسوف نستأصلها  كي لا يعاودها المرض وما دمتم قد أتيتم فمن الأفضل أن يكون الاستئصال وليس مرة أخرى فلا تبقى حاجة لمجيئكم مرة ثانية!

- ولكن يا دكتور.

- المعذرة ... هذا شأننا ونحن نعلم ما لا تعلمون.

 خرج بعد أن أوصدوا  الباب خلفه ولم يعد وتركهم في لجّ  الأفكار ... وطلب إليهم أن يفكروا  تفكيراً عميقاً فالليل طويل.

راجعوا قراراتهم ملياً وفكروا طويلاً ...وتقيأت "أمل " وقذفت كل ما في جوفها من الشراب فأدركوا أنّ الزائدة قادمة لا محالة  وأن البطن سيشق دون رحمة أو شفقة كما تشق علب السكر والحلوى التي يأتي بها الزائرون لمنزل المريضة وهم يتفاءلون بشفاء المريضة وتجاوز المرض بسلام، وعادة  العلب التي يأتي بها الزائرون لا تتعدى سكاكر التي في داخلها أصابع اليدين!

وأخيراً عقد اجتماع موسع ضم لفيفاً من أطباء الداخلية، النسائية، والجراح ، ورئيس المشفى ...ووووووووو إلخ

وبعد جدل حاد وحوار مستفيض وحساب دقيق وكلمات حامية الوطيس عن العملية ونتائجها المرجّوة، هذه العملية التي لم يثبت جدواها بعد.  و عن المشفى وسمعته فيما بعد، وعن الزائدة الدودية التي تمعن في التخفي والاختباء  لشدة جبنها وفي الوقت نفسه اجتمع  أهل المريضة وذووها تبادل الجمع البرقيات العاجلة... برقية إلى الطبيب الجمجمة .. ودموع النسوة لا تكف عن السيلان.

وفي هذه الوسط الديبلوماسي  وأجواء الحرب الضروس  انسحب طبيب الداخلية  من المجلس المنعقد لانتفاء وجود أدلة تتهم الزائدة أو تدوينها وكذلك رئيس المشفى فيما بعد، بيد أن الجراح أصرّ  على العملية ( زملاؤه  الأطباء جميعاً اقتنوا الفيلات والسيارات الفارهة الفخمة ) مهما كان ، رفض الأطباء صارماً وجدياً، لذاك قرر الجراح التمهل ساعة كاملة فإذا  صرخت وتمادت في الصراخ  أجرى لها العملية، وإن تصدى له أطباء الدنيا برمتها، لكن المريضة ظلت صامتة ووقفت صامدة وألحت على الرحيل والفرار من المشفى فهي لا تشعر بأي ألم من تلك الآلام التي تدهم مرضى الزائدة الدودية سوى شعور بالغثيان وعزوفها عن الشراب والطعام   ،  يدخل أحد الزوار ويتحدث شارحاً أعراض الزائدة الدودية والآلام  التي تنتاب من يعانون منها وعن أخطارها، أما هذه المسكينة فهي ليست في شيء من ذلك كله ، ولكنهم يهوّلون الأمر بدافع من الجشع والطمع.

خرج الحاج إلى ردهة المشفى لعله يرى الطبيب ليبلّغه قراره النهائي، منهاراً من التعب، والصراخ، والضجيج والسعال والقيل والقال ... وتدور في رأسه آلاف الكلمات، وفكر في تنفيذ قراره إجراء العملية  وفي شطب هذا القرار إنه في حيرة من أمره، فإذا أدار ظهره للمشفى ومضى بالمريضة دون إجراء العملية وحصل انفجار في الزائدة فلن يشفق عليه أحدٌ مادام حياً وسيعيرونه بالشحِّ والبخل من أجل  بضعة ألاف، وإن أجرى العملية دون الزائدة فيكون جرماً بحق المريضة وذنباً لا يغتفر.

ذهب إلى الدكتور وهو يحدّق في الأجهزة الحديثة المبثوثة هنا وهناك ويحدث نفسه " لديكم كل هذه الأجهزة الحديثة ولم تكتشفوا قطعة زائدة، فهل أنتم أطباء حقّاً ؟ إنّ رعي الأغنام أجدر بكم وأفضل من عبثكم بمصير الخلق، وأخيراً وقف أمام الطبيب شامخاً وجهاً لوجه وقال: اسمع ... سنخرج حالاً.

وقعت كلماته كالصاعقة على رأس الطبيب، فرد باشمئزاز: وعلى مسؤوليتكم.

- وعلى مسؤوليتنا.

- إذاً  أذهب إلى قسم الداخلية فهو يريدكم.

وعلى عجل من أمره توجّه إلى هناك مصطحباً الأستاذ زين الدين لأنه يستطيع فهم المصطلحات الطبية أكثر منه ...كان يسير ويحدث زين الدين طوال الوقت عن قدرات الأطباء القدماء ومهاراتهم وخبراتهم في مجال أعمالهم، ولما وصلا إلى عيادة طبيب الداخلية رحّب بهما كل الترحيب وقُدمِت لهما القهوة ثم أعلمهم بنبأ الإفراج  عن المريضة إن  شاء ذلك فإن حقيقة الزائدة مازالت مجهولة وليس في الحسبان " الآن على أقل التقدير "        

   كاد الحاج _ لولا الحياء _ أن يرقص ويطير فرحاً فقال اعتباطاً: إذا سنخرج.

- نعم.

ثمّ وجّه حديثه إلى الأستاذ: هذا نوع من الحبوب يمكن تناولها بعد الطعام وهذه وصفة الدواء... وبعد أن انتهى من التعليمات أخبراهما بعلاقته بالصيدلاني

- أ و و و و و .. دكتور ... إننا كأسرة واحدة ... كل أدويتنا من صيدليته وهو الذي يوجّه كل أهالي القرية إلى الدكتور الذي يريد ه هو ؟ قاطعه الدكتور عليكم بمراجعتي بعد أسبوع .

عادوا إلى القرية وهم يتجاذبون أطراف الأحاديث  في السيارة (الفوكس ) التي استأجروها، التفت أبو آراس إلى المريضة " أمل " الجالسة بجانب أخيها وقال لها:

لقد عذبت عائلة الحاج جميل وعليهم أن يعاقبوك، تدخل الحاج: لا ... ذاك قضاء الله ... " ثم مداعباً "

والله لو نالها سوء لما نجونا من زوجها الذي دوّخنا بهواتفه.

فردّت زوجته: وهل نسيت نفسك؟ عندما  تصاب بمرض من الأمراض حتى تغيب عن وعيك... وها أنت تعيرّ ابنك. ( تدخلت حماة أمل ) _ إنهما مازالا صغيرين في مستهل أيامهما.

استأذن أبو آراس النزول بعد وصول الفوكس إلى كازية الأمانات، كان يفضل امتطاء دراجته النارية في تلك الليلة وهجمات الكلاب الشرسة على أن لا يقودها الأستاذ أو جودي على الرغم من إلحاح  الحاج على قيام أحدهم بالقيادة .استقبلتهم الجموع المحتشدة من الأهالي القلقين بسبب غيابهم, وامتلأت الدار بالوافدين والوافدات لتهنئتهم بسلامة العودة وشفاء المريضة من علتها التي سارت وسط الجموع الغفيرة  وإبرة  السيروم مغروزة في يدها...وكيس السيروم في يد أخيها الذي لم يفارقها قط بينما كل امرأة تدلي بدلوها: مازالت صغيرة...فما لها ولهذه الأمراض؟

- يكفي أنها شُفيت ثم قالت إحداهنّ موجهة حديثها إلى حماتها: علينا التصديق بشيء فها قد برئت من مرضها .قالت الحماة على عجل:

- والله كنت قد نذرت إقامة "مولد" لكل الجيران وما تركت شيخاً من مشايخنا إلا وتوسّلت إليه أن يدعو لها بالشفاء ويؤازرنا في هذه المحنة فإن ذهب العالم لا يضاهي فردة من حذائها. قدمت " الداية " المولّدة . إنها تقوم بأعباء التوليد منذ عشرين عاماً، تتربع على هذا العرش دون منازع ... لا يناديها أحد باسمها المُجرَّد فإذا تحدث عنها أحد أو خاطبها قال: أمي سارة أو الأم سارة في حال غيابها بسب ما تقوم به من عون في أثناء الولادة وبعدها أيضاً، ويستشهد الجميع بأقوالها:

- قالت الأم سارة ... نصحت الأم سارة.... نهت عن هذا أو أمرت بذلك ..... إنها موضع إجلال الرجال واحترامهم لما تؤدي لنسائهم من الخدمات، إنها تعتني بالوليد في أيامه الأولى ففسحوا لها الطريق وتناولت إحدى الفتيات يدها وصاحت بإحداهن : افسحي المجال لأمي لتطمئن على ابنتها،(إنها امرأة طاعنة في السن لقد شاهدت " الثلج الأحمر " حسب وصفها وعاصرت مجزرة ( آلة قمشة ) فقد كانت تحدّث النساء عن أيام تلك المرحلة بمزيد من التفصيل والإيضاح ). هتفت هتافاً كالأنين لسبب ما مريضتكم  أمل تعاني من الألم:

- هلا فحصتم سٍرّتها  فربما تكون قدِ " وقعت " انتابت الجموع قشعريرة عندما نطقت بهذا الكلمة.

اتهمها البعض بالعجز والخرف وأنها ترهّلت وضعف فكرها في عمق السنين، ولا تعرف شيئاً عن الطب والأطباء، وأنها ما زالت تعيش بعقلية  متخلفة تفاخر بالطب الشعبي القديم، ولكي لا يجرحن مشاعرها قالت الحماة: افحصيها إن شئت.

كانت المريضة مستلقية على فراشها والسائل في السيروم يتقطر كعبرات حماتها ببطء شديد، فتقدّمت منها " الأم " وفحصت سرتها بيديها المرتعشتين ذات العروق النافرة ثم هتفت وهي تلتفت إليهنّ: ألم أخبركن ...إنها السرة ... وتكاد أن تكون الحالة مزمنة ... وملتهبة.

صاحت النسوة: هيا ... هيا يا أمنا العزيزة افعلي ما عجز عنه الأطباء ...إنّ يداك مباركتان حقاً ... لقد عجنت بهما كل البطون ... لتساعدينا في الإنجاب ... إنك ملاك ... وبعد جهد جهيد استطاعت أن تعيد السرة إلى مكانها الطبيعي والمريضة تتأوه تئن. وفي غضون لحظات أحسّت المريضة بالدماء الحارة تجري في عروقها ... وبدأت الشتائم تنهال على الأطباء. وشيئاً فشيئاً تحسّنت أحوال المريضة على يد الأم سارة وشفيت من دائها الذي حار الأطباء في تشخيصه وعلاجه، تهلّلت الوجوه في هذه العائلة البائسة، المغلوب على أمرها وازداد القرويون ثقة وإعجاباً بالأم  سارة، قالت إحداهن تخاطب الحاج جميل كبير العائلة الآن عليكم أن تدفعوا للأم سارة، مثلما دفعتم للأطباء.

البحث عن الزائد الدودية - عبد الهادي درويش Reviewed by Yekîtiya Nivîskarên Kurdistana Sûriya on مارس 17, 2024 Rating: 5   البحث  عن  الزائد  الدودية Pênûsa Azad hijmara hivdeh 17`ê عبد الهادي درويش سأروي لكم فيما يلي حكاية الزائدة الدودية التي اختفت ،أولم ...

ليست هناك تعليقات: