التفكير الخرافي
شمس عنتر
من مشاهد الحياة اليوميّة
وبحكم تواصلي مع منظمات مدنيّة كثيرة وخاصة النسائية منها وكذلك متابعاتي
للكثير من المجموعات على وسائل التواصل
الاجتماعي، لاحظت طريقة التفكير الخرافي منتشرة
بشكل مرعب, رغم أن الغالبية العُظمى منهم متعلمات
ومتعلمين.
طريقة تعتمد على
الغيبيات والشعوذة وبعيدة عن التفكير المنطقي
العقلاني، و أن هناك اعتقاد راسخ في القوى فوق الطبيعية وفي الإجراءات السحريّة المُتحرِّرة من التفكير الخيالي.
والخرافة عبارة عن
مجموعة من الأفكار والسلوكيات لا ترتكز على دليل علمي وهي تخضع لإعادة تدوير ويتم
توارثها، و التفكير الخرافي والذي يُعرَّف
عادة بأنه التنميط الزائف، والتنميط هو ربط شيء بشيء لمجرد المزاملة التي ربّما
تكون مجرد مصادفة.
بسبب عادات الإنسان
الذي يصدّق بسرعة وبشكل ساذج وبالتالي يميل إلى التنميط ويرجعه
الكثيرون من علماء الاجتماع إلى شكل حياة
الإنسان البدائية حيث كان يخاف غضب الطبيعة ولم يكن يعرف أسبابها وبذلك يرتكب
الإنسان الخطأ السلبي الزائف وربما الإيجابي الزائف لربطه الحوادث ببعض حالات
الطبيعة.
وأشهر أصحاب الحرف
المعروف عنهم تفكيرهم الخرافي هم المزارعون و البحارة ،عمال المناجم، وشريحة واسعة
من النساء خاصّة غير المتعلمات.
هذا النمط للتفكير
يستحوذ على تفكير طبقات اجتماعية مختلفة لأنه الطريق الأيسر في تفسير الظواهر وتطلق الأحكام بدون سند علمي، وغالباً ما يكون
وراء ذلك الشعور بالعجز وربط حوادث وقعت منذ أزمان بحوادث حالية ومحاولة إيجاد
علاقة وهميّة بينهما كما أسلفت.
أفراد مجموعات التواصل الاجتماعي اليوم ورغم
التقدّم العلمي الهائل، ما تزال الواحدة منهنّ تطرح مشكلتها عندما يخونها حبيبها، فتطلب من أفراد المجموعة مساعدتها وذلك بقراءة الصلاة
الناريّة مئة مرة، أو ذكر إحدى الدعوات المُعيّنة
ألف مرّة، أو طلب استخارة، أو الذهاب إلى الشيخ الفلاني كي يفك عنها السحر حتى
يتقدم لها صاحب النصيب، فعدد الفتيات يفوق عدد الشباب بأضعاف مضاعفة وأصبحت فرصة
الزواج غير متاحة, أو أن يعمل لأخرى حجاب يقيها
من شر عيون الحسّاد، أو ترسل صورة لفنجان قهوتها للّواتي تقرأن لها الفنجان لتعرف مستقبلها! أو تقرأ لآخر الكف ليعرف هل سينجح
مشروعه أم لا، وهناك الهوس بمتابعة
الأبراج على أغلب وسائل الإعلام وقراءة الطالع، والاعتقاد بأن سكب الماء الساخن
ليلاً يؤذي الأرواح التي سوف تنتقم منا
لاحقاً، وعدم الاستحمام ليلة الأربعاء، وعدم كنس البيوت ليلاً، وعدم ترك المقص
مفتوح الطرفين، والمرأة التي ولدت حديثاً
تضع قطعاً من حديد حولها حتى لا تتأذى هي و مولودها من قبل الجّان وألا ترفع صوتها حتى لا تسمعها جارتها الحامل
فيصيبها "الأربعين" وأن يتم غسل
الوليد بعد الأربعين وبماء مذاب به قطعة
رصاص وذلك لحمايته من الجان والأمراض ،وأن صوت الغراب نذير شؤم، وإذا انكسر
إناء قالوا انكسر الشر ، وطرّق الخشب للحماية من الحسد، و لبس الخرزة الزرقة التي تصد عيون
الحساد وتعليق فردة حذاء للبيوت والسيارات
الجديدة لنفس السبب، والذين يتعرّضون للسرقة يذهبون لمن يقرأ لهم المندل والنظر
عبر مرآة تظهر لهم شخصية السارق بشرط أن تنظر في المرآة طفلة لم تبلغ الحلم بعد، والاهتداء بحركة النجوم، وتفسير
الأحلام، ورؤية الأرواح، والإيمان بوجود الأشباح ، والتطير من رؤية بعض الحيوانات والتشاؤم
من بعض الأرقام مثل الرقم ثلاثة عشر وهناك من يصدق بإحضار الأرواح وطرد الشريرة
منها من جسد مريض ما تحت ضربات العصا وقراءة طلاسم ما، وأنّ المرأة التي تريد إنجاب الذكور تقوم بحركات معينة
وتناول أطعمة معينة، ويتم تلقي نصوص ويطلب
المرسل فيها أن يرسلها المتلقي الى عشرة
أشخاص وهم يغلظون القسم والحلفان أن لم يتم إرسالها سوف تلقى شراً، وأن ترسلها
ستتلقى خيراً ورزقاً!
وقد دخلت في طرق التدين
الكثير من الخرافات وأصبح الإنسان يلوذ
بالطريق السهل الذي يجعله يستكين إلى أن الحلول قادمة، إذا كانت هنالك مشكلة سيطلب من عدد ما بالدعاء له بدل البحث الجاد عن حلول عملية قد تكلفه جهد وإمكانيات
يراها صعبة ويزعج نفسه بالتفكير العقلاني
وبذل الجهد في المعرفة ولبس خواتم وساعات إلكترونية تقوم بعدد مرات الحمد والشكر،
والاستجابة لأنواع الفتاوى مِن مَن لا علم
لهم مثل بعض الذين يدعون معرفتهم بالدين وذلك بتنزيل فيديوهات دينية، تشرح طريقة
التداوي من أي مرض وبناء علاقات وطريقة الأكل والملبس وحتى دخول الحمام.
ونعلم أن التفكير هو
عملية يمارس بها الذكاء نشاطه اعتماداً على الخبرة من أجل الوصول إلى هدف.
وأن
التفكير العلمي يهدف إلى فهم الظواهر وتفسيرها والوقوف على المسببات
ويعتمد على الأدلة والبراهين المصحوبة بالتجريب ويهدف إلى حل المشكلات ومعالجة
المواقف "العتابي ٢٠٠٤ : ١٩ "
" أنّ العامل هو
ارتباط الخرافة بالأديان لدى مختلف الشعوب وذلك باعتبار أن كلا من الخرافة والدين
تشتمل فيها محاولة تفسير الظواهر كما أن ربط الخرافة بالدين سواء كان ذلك ربطا
أصيلا أو افتراضيا مع الزمن يكسبها قوة لدفع الأفراد إلى قبولها ."دران وسلوى، ١٩٧٩:١٩ "
هذا النوع من التفكير
يتواجد لدى الكثير من المجتمعات حتى لدى من نراها مجتمعات متقدمة علمياً ،ولا توجد
علاقة شائكة كعلاقة الخرافات بالعلم حيث يفترض المنطق أنهما ضدان لا رابط بينهما
ولكن الظاهر انهما من الممكن أن يسكنا في ذات العقل وذات المجتمع.
ففي أمريكا إلى يومنا
هذا ما تزال تتحذر من يوم الجمعة الموافق للثالث عشر من أي شهر، ويتشاءمون من القطط السوداء ويعتقدون بلعنة الهنود السكان الأصليين. وهناك دراسة لإحدى المعاهد
البحوث الاجتماعية تحت إشراف كلود فشر أستاذ علم الاجتماع في جامعة كلفورنيا فإن ١٨%
من البالغين يصدقون بوجود الأشباح بل أن بعضهم يدعي رؤية الأموات، يلجأ بعضهم
للكنيسة لطرح الروح الشريرة التي تسكنه.
في روسيا أجري
"سينكر ٢٠٠٥ " دراسة هدفت إلى الكشف عن الخرافات المنتشرة لدى طلبة
الكليات والجامعات وتكونت عينة من ١٢٣
طالب وطلبة من تخصصات التاريخ والرياضيات والفيزياء، بينت الدراسة انتشاراً
واسعاً للخرافات المتعلقة بالامتحانات كربط خيطين من لونين مختلفين حول المعصم الأيسر
يضمن النجاح في الامتحان " القضاة 2013,868,869"
وكذلك يعد الشعب
الروسي فضلات الطيور التي قد تقف على حافلة أو نافذة أمراً جيداً وترمز إلى المال والثروة.
ونحن شعوب العالم
الثالث المتخلفة أصلاً عن ركب الحضارة تجتاحنا هذه الخرافات بشكل واسع جداً ولذلك نحتاج
إلى التفكير العقلاني الذي يحل الكثير من
مشاكلنا بجهودنا وطريقة تفكيرنا وليس عن طريق التفكير الخرافي.
وتتعدد الأسباب وراء
هذه النوع من التفكير ، يرى سيغموند فرويد أن هذا التفكير يحدث عندما لا نجد طرق لإشباع حاجاتنا
البيولوجية .
لكن الجهل من أكثر
اسباب انتشار التفكير الخرافي رغم أنه ينتشر بين المتعلمين كذلك بنسب متفاوتة .
وإرث الأجداد للأبناء،
تأتي من صلب المجتمع والبيئة ويشكل سببا من أسباب الخرافات الشعبية.
وهذا النوع من
التفكير يشكل مخدرا ناعما يشعر الإنسان بالرضا عن تقاعسهم حتى يدمنون عليه ولا
يلجؤون إلى بذل الجهد والوقت.
ورأى العالم كله كمّ
الخرافات التي خرجت أيام انتشار جائحة كورونا.
ولأن الإنسان ابن
بيئته ومجتمعه فكل ما يصدر عن هذا المجتمع يتأثر به وخاصة تلك التي لا يعرف تفسيرا
لها ويتطبع بطباع مجتمعه بحكم الوجدان الجمعي لجماعته.
وكذلك تأثره بعادات
وتقاليد التي تحظى بمباركة مجتمعه حتى وأن
لم يجد لها إثبات علمي
"يحوي اللاشعور
الجمعي تراثا من الإمكانيات الموروثة للفكر والتحيل وهو نتاج خبرات وهدى وتحتوي
هذه الصور الأولية على الأفكار وللتفكير نماذجه الأصلية هي نماذج اتجاه الفكر
القديم للأفكار الخرافية "عبدالواحد، ٢٠٠٨:٨٥"
ما
تحتاج إليه مجتمعاتنا لإحلال التفكير
العقلاني محل التفكير الخرافي هو الاهتمام
بمحتوى مناهج التعليم المبني على أسس علمية و الإكثار من الندوات العلمية لما لها من أهمية بالغة في تحسين التفكير.
وضرورة تهيئة ظروف
تعليمية واقعية وتكون غنية بالمعرفة لتنمية قدرات التفكير.
مراقبة محتوى البرامج من قبل مختصين، لما للأعلام من دور كبير وأن يكون للنخبة
الثقافية دور في نشر الثقافة التي تحث على
التفكير العقلاني والعلمي المبني على التجربة والاستنتاج.
حث الأفراد على المطالعة و القراءة للتعرف على طرق التفكير الإيجابي وبناء هيكل منطقي
من الأفكار التي تجذب نحو الوعي والتعقل.
ليست هناك تعليقات: