الكرد في سوريا.. بين رهانات الوحدة والتحديات
في قلب المشهد
السوري المتشابك، حيث تتقاطع المصالح وتتصادم الإرادات، يقف الكرد أمام اختبار مصيري
بين ضرورة التوحد وواقع الانقسام.
فبينما تدفعهم
الجغرافيا والسياسة إلى التكاتف، تشدهم الخلافات الداخلية والتدخلات الخارجية نحو مسارات
متباعدة، مما يجعل وحدة الصف الكردي معادلة صعبة لكنها ليست مستحيلة.
ورغم المحاولات
المستمرة لرأب الصدع وتعزيز لغة الحوار بين القوى الكردية المختلفة، تبقى المصالح المتباينة
والتجاذبات السياسية كجدران فاصلة تحول دون الوصول إلى رؤية موحدة.
المشهد الكردي
السوري مقسم بين تيارين رئيسيين: المجلس الوطني الكردي (ENKS)
والإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)،
إلى جانب أحزاب أخرى تتبنى مواقف مستقلة، مما يعقد المشهد ويزيد من تداخل الحسابات
الإقليمية والدولية في القضية الكردية.
الخلافات لا تتوقف
عند طبيعة العلاقة مع النظام السوري أو أشكال الحكم الذاتي المطلوبة، بل تمتد إلى التدخلات
الإقليمية التي تلقي بثقلها على أي محاولة للوحدة.
تركيا، التي ترى
في أي مكسب كردي تهديدا استراتيجيا، تسعى جاهدة لمنع نشوء كيان كردي مستقر، فيما تبقى
العلاقة مع دمشق محكومة بحسابات معقدة بين الضغوط والمفاوضات، في ظل استمرار الحكومة
السورية في فرض واقع يجعل وحدة الصف الكردي أكثر صعوبة.
وفي ظل هذه التعقيدات،
حمل يناير 2025 تطورات سياسية لافتة، كان أبرزها لقاء جمع القائد العام لقوات سوريا
الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، برئيس الحكومة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق.
اللقاء حمل دلالات
رمزية، حيث استقبل عبدي بعبارات كردية، في خطوة وصفها بالإيجابية.
وفي السياق ذاته،
استضافت مدينة هولير اجتماعا بين الزعيم الكردي مسعود بارزاني والجنرال مظلوم عبدي،
حيث ناقش الطرفان سبل توحيد الصف الكردي وتعزيز الحوار مع الحكومة السورية، إلى جانب
أهمية بناء تحالفات دولية راسخة لضمان دعم مستدام للقضية الكردية.
أما على صعيد المطالب
السياسية، فيتمسك حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بالاعتراف بالإدارة
الذاتية ضمن نظام لامركزي، مع دمج قوات (قسد) في الجيش السوري مع ضمان استقلاليتها،
إضافة إلى تقاسم الثروات مع دمشق.
في المقابل لم
يعقد المجلس الوطني الكردي لقاء رسميا مع الحكومة السورية الجديدة حتى الآن، لكنه أجرى
مباحثات مع قيادة (قسد) حول تعزيز الوحدة الكردية ووضع خارطة طريق للتفاوض مع دمشق.
ويؤكد المجلس على
ضرورة تضمين الحقوق القومية للكُرد في الدستور السوري المستقبلي، ضمن إطار فيدرالي
يحفظ وحدة البلاد واستقرارها، معتبرا أن توحيد الموقف الكردي خيار استراتيجي لا غنى
عنه.
ورغم التحديات
العميقة، يبقى الأمل قائما، إذ إن تجاوز الخلافات الداخلية والانطلاق نحو حوار جاد
بين المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية قد يكون مفتاحا لبناء رؤية مشتركة تلبي
تطلعات الشعب الكردي في سوريا.
ومع التطورات السياسية
الأخيرة واللقاءات المتتالية بين الزعماء الكرد، تبدو الفرصة سانحة لاتخاذ خطوات أكثر
جدية نحو الوحدة. وإن حظي هذا المسار بدعم دولي فعال، فقد لا يكون تحقيق الحل السياسي
العادل للكرد مجرد طموح، بل واقعا قابلا للتجسد على أرض الصراع السوري الطويل.
مشعل أوصمان
ليست هناك تعليقات: