- اتحاد كتاب كوردستان

728x90 AdSpace

شائع
السبت، 13 سبتمبر 2025

 

الهُويّة الثقافيّة الكورديّة محدّداتها وأنساقها المفاهيمية.

مقاربة نقديّة أوّليّة.

القسم الاول

 سعيد يوسف



 

مدخـــــــل عام :

لا يخفى قطّ أنّ البحثَ في الشؤون الثقافيّة عموماً، بحثٌ شائك ومعقّد وموضعُ اختلافٍ وسجالٍ مستمرين، ويزدادُ البحث تعقيداً وصعوبةً إذا انتقلنا للسّاحة الثقافية الكوردية، لأسباب متعددة وعلى أكثر من صعيد، داخليّاً وخارجياً وبشكل مترابط ومتداخل.

فعلى الصعيد الدّاخلي لا يخفى على أحد حال الانقسام والتصدّع، والأزمات المتعدّدة، التي تعاني منها الساحة الثقافيّة الكورديّة، سواءً المتعلّقة منها بالهشاشة الثقافية كانعكاس للسياسات العنصرية  التي تتحكّم بتوجيه البوصلة الثقافية وفق أجنداتها المتطرّفة، والتي تحظّر تعدديّة البنى الثّقافيّة.

أو ما يتعلّقُ منها بالّلغة الكورديّة واشكالياتها، خاصة ما يتعلّق منها بتعدّد اللهجات، والثنائيّة الأبجديّة في حدّها الأدنى.

وأمّا على الصّعيد الخارجيّ يصطدمُ المشروع الثقافي الكوردستاني، بمقاومةٍ عنيفة من قبل الأنظمة الاستبدادية التي تتقاسمُ جغرافيةَ كوردستان بحدودٍ سياسيّة مصطنعة مسلّحة بحواجز  فولاذية. تحرّمُ التّواصل والتّنقّل بين أخوّة التاريخ والجغرافية. وتعملُ بشكلٍ دؤوبٍ وممنهج على تفكيكِ البنى الثقافية الكورديّة وطمس معالمها، من  خلالِ عمليّات التّشويه المتعمّدة لتلك الثّقافة وتحريفها، وعبر آليّاتِ تزويرِ التّاريخ والأركيولوجيا والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، وذلك في مسعىً حثيث ودون تفويت أيّة فرصة متاحة قد تساهم في اجتثاثِ كل ما له علاقة بالهويّة الثقافية الكوردية، مسبّبةً بذلك حالةً من الاغترابِ والاستلاب على المستويين الفرديّ والجمعيّ. فهي تمارسُ بحقّ حربَ إبادةٍ ثقافيّةٍ مثلما مارست وتمارسُ الإبادةَ الإثنيّة.

إنّ الوضعيةَ الآنفة الذكر ألقتْ وتلقي بظلالها السلبيّة، ونتائجها القاتمةِ والكارثيّة على الهُوية الثقافيّة الكورديّة. تلك الثقافة التي تصنّفُ ضمنَ خانةِ المحرّم من جانبِ المستبدّين المغتصبين. وبرغمِ كلّ اجراءات القمعِ وممارسات التنكيلِ المستمرة، وكلّ أشكالِ القهرِ والاكراهاتِ المتخمةِ بالعنفِ والقسر، فإنّ الشّعبَ الكورديّ بكلّ شرائحهِ الاجتماعية ونخبهِ الثقافيّة يأبى الرّضوخَ والخنوع لتلك السياساتِ، بل يقاومُ ويعملُ دون كللٍ وملل من أجلِ الحفاظِ على كينونتهِ الاجتماعيّة وصونِ ثقافته من غدرِ أعداء الإنسانية سعياً منه للعيش بسلامٍ وأمان.

 يعيشُ المجتمعُ البشريّ اليوم في عصرٍ باتَ فيه من المستحيل حجب المعارف ومنع عبورها...إنّه عصرُ العولمة والميدياء، وتجويةِ المعلوماتِ وانتقالها في فضاءٍ رقميّ متجاوزة كلّ الحدودِ والآفاق ودونما استئذانٍ أو جواز سفر. تقدّم للباحثِ المتلهّف كل ما يبحثُ عنه ويهمّه ومن كلّ أنواعِ العلوم والمعارف، وأشكالِ الثقافات المتعدّدة والمتنافرة والمتصادمة من الأنساق الثقافية الموزّعة بين فكر الحداثةِ وما بعد الحداثة، بين الأصالة والمعاصرة، أو بين نزعاتٍ ماضوية سلفية، وأخرى ليبراليةٍ علمانية.  

مقدّمة :

تشكّلُ هذه الدّراسة مقاربةً أولية، في قراءة موضوعٍ ربّما لم يطرح بعد بشكل كافٍ ومعمّق، في السّاحة الثقافية الكوردستانية، حيث لم أجد ضمنَ حدودِ معرفتي المحدودة، إلّا قلةً ممّن قامَوا  بطرحِ الموضوع ودراسته، وهي دراساتٍ تستحقُّ الثّناء والتّقدير، لكنّ هذا لا يعني نفي وجودِ دراساتٍ أخرى في الشّأن المعنيّ.

وأمّا ما دفعني وحفزني لتناولِ الموضوعِ هو وجودُ مثل هذه الدّراسات في الفكر الثقافيّ العالميّ والغربيّ خاصةً من قبل كتّاب عديدين، مثل كتاب :" منشأ الفكر الحديث". لمؤلفه د. كرين برينتون.

أو كتاب : تكوينُ العقل الحديث، لمؤلفه جون راندل.

وكذلك تناولهُ المفكّرون العرب مثل المفكّر المغربيّ محمّد عابد الجابري في سلسلته النقّدية ضمن كتابيه : "تشكيلُ العقل العربيّ". و "بنية العقل العربيّ". والذي أثارَ ردوداً فكرية من جانب العديد من الكتّاب منهم : جورج طرابيشي، وعلي حرب...وطيّب تيزيني السبّاق في هذا المضمار وغيرهم.

من جهةٍ أخرى تشكّلُ هذه الدّراسة نوعاً من المغامرة في طروحاتها، بسبب حداثةِ الموضوع كوردستانيّاً من جهة، ومن جهة أخرى تعتبرُ الدّراسة النّقدية للمكوّنات الثقافية للفكر الكورديّ المعاصر وخاصةً في نسقه الدينيّ خرقاً للمألوفِ والمعتاد، أو حفراً في طبقاتِ "المسكوتِ عنه" أو "الممنوع التفكير فيه" بتعبير محمد أركون. سيّما وأنّ الكورد شعبٌ ينتمي إلى مجتمع تقليديّ  يغلبُ عليه طابعُ التكرارِ والاجترار، والاستسلام لموروث ديني كلاسيكيّ يحظّر زعزعةَ استقرار الفردِ والمجتمع، و زحزحة سكونهِ والمسّ بمعتقداته.  وينتمي  كذلك إلى فضاءٍ ثقافيّ مثقلٌ بمفاهيم ذات حمولةٍ دينيّةٍ  يرفضُ النقدَ الفكريّ والعقلانيّ، لنظمهِ الإبستمية والمعرفيّة الموروثة. ومن الملفتِ أنّ هذا الرّفض والموقف المتزمّت لا يأتي فقط من الوسطِ الشعبيّ الأفقيّ، بل يمتدّ عموديّاً ليجدَ لهُ ملاذاً آمناً ضمنَ فئاتٍ عريضة و واسعةٍ من مختلف الشرائحِ الاجتماعية، وحتى ضمنَ الفئاتِ المصنّفة كنخبٍ ثقافية تحملُ شهاداتٍ عليا.

يستهدف البحث ما يلي :

١-العملَ على تحريرِ الهويةِ الثقافية الكوردية من سلطاتها المرجعية، تلك التي تعيقُ حركةَ نموها وانطلاقتها، والتي تتحصّنُ خلفَ "سياجٍ دوغمائيّ"   مغلق، وتحتمي بنصوصٍ تعتبرها ترسيمةً ميتا تاريخية تدّعي صلاحيتها المطلقة لكلّ زمانٍ ومكان.

٢-السعي نحو بناء وعي ثقافيّ نقديّ عقلانيّ، بحيث يتعاملُ مع جميع الأنساق المعرفيّة القديمةِ منها والحديثة، على قاعدةِ أنّ كلّ شيء في تحوّل وتغيّر مستمرين، وعليه فإنّه ما من شيء محرّم  وبمنأى عن آليّةِ النقدِ والمساءلة.

٣-كذلك يرومُ البحثُ إلى قبولِ ظاهرةِ التنوّع والتّعدّد الثقافيّ والانفتاح عليها والنظر إليها بوصفها "ظاهرةً بشرية طبيعية" ، تستمدُ شرعيتها ودعمها من كلّ العلوم الانسانية، ايماناً منها بوحدةِ وتكامل المنتجِ الثقافيّ العالميّ.

تتناولُ الدّراسةُ المحاورَ التالية :

أوّلاً- مفهوم الهُويّة والهويّة الثقافيّة.

ثانياً-الهُويّة الثقافيّة الكورديّة ومحدّداتها.

ثالثاً- الأنساق المفاهيمية /النظم المعرفيّة المشكّلة للهويّة الثقافيّة الكورديّة.

رابعاً- مأزقُ الهويّة، و صراعُ الأنساق.

-خاتمة ونقد.

أوّلاً- مفهومُ الهُويّة والهويّة الثّقافيّة :

بدايةً منَ المفيدِ ربّما أنْ نميّزَ كما يرى البعضُ بين عبارتيّ الهويّة بفتحِ الهاء، كبطاقة التعريف كما في "السّجلات المدنيّة". ومفهومِ الهُويّة

( بضمّ الهاء). لغةً واصطلاحاً والتي هي :

" جملة الخاصيّات أو المشاعر أو الأفكار التي تميّز الأفراد أو الشّعوب عن بعضها".( علي جزيري، جدلُ الهُويّة الكردية...ص 26-27). وهذا التوضيح هو واحدٌ من بين العشرات أو المئات من التعاريف. وعلينا أن ندركَ تماماً بأنّ هذه الخاصيّاتِ والمشاعر والأفكار ليست ثابتة وجامدة، بل تتبدّلُ وتتحوّلُ بتغيّر الأزمنة والعصور...!

ولا ضيرَ من ذكرِ أنّ أبعادَ الهويةِ  متعدّدة، منها "البعدُ السيكولوجيّ...والبعد الاجتماعيّ" ويظهران في الثقافةِ العامة للمجتمع...ومن خلالِ قيمه... والتي تنتقلُ من جيلٍ لآخر...من خلالِ العلاقات الاجتماعية".(د. حسين المختار محمد الشاوش، الإعلامُ الجديد والهوية الثقافيّة...ص60). وهناك البعدُ  الثقافيّ، والبعدُ السياسيّ والبعد اللّغوي وكذلك البعدُ الفلسفيّ ...الخ.

فيما أتحدّثُ هنا فقط عن البعدِ الفلسفيّ للهويّة.

١-الهويّة في بعدها الفلسفيّ :

سؤالُ الهويّة سؤالٌ قديمٌ/جديدٌ ومتجدّد، ولا يُعرفُ على وجهِ التحديدِ والدّقة، منْ أوّلُ منْ وضعَ السؤال ومتى وأين، ولكن بالإمكان القول أنّ مجرّد وضعِ السؤال ما هذه/ا..؟ ومن تلك أو الاشارة إلى شيءٍ ما يعني من جملةِ ما يعني تحديد هويّة انطولوجيّة وجوديّة له، تميّزه عن سواه. سواءً أكان ذلك الغير كائناً حيّاً، أو جماداً، أو أيّ شيءٍ آخر. فهويّةُ الشّيء إذاً ما به يكونُ الشّيء هو هو، وليس شيئاً آخرَ سواه.

هذا التّحديد الأوّليّ للهويّة، أثار/ويطرحُ  تساؤلاً من مستوى آخر...حولَ جدليّة الثّباتِ والتّغيّر في الهويّة، فالأشياءُ في ظاهرها وكما يقدّمهُ لنا عالمُ المحسوساتِ تبدو في تغيّرٍ دائب، ومع ذلك وبرغمِ التّحوّلِ والتّغيّر يحتفظُ الشيءُ بكينونته، فأنت ذلك الطّفلُ الذي كان يوماً ما في المدرسةِ الابتدائيّة، ثم الثانويّة...ثمّ أباً وجدّاً... الخ...! إذاً برغم التّغيّر الظاهريّ هناكَ حالة من الثبات...!

بمعنى أنّ هناك ثباتاً تحت التغيّر، وتغيّراً فوق الثّبات، فهل الهويّةُ ثابتةٌ..؟ وهل ثباتها مطلقٌ أم نسبيّ...؟ أم نقولُ العكسَ بأنّها متغيّرة دائماً وأبداً...! أم أنّها ثابتة ومتغيرة في نفس الآن ضمنَ علاقةٍ جدليّة ديالكتيكية...؟.

ضمنَ الحقلِ الفلسفيّ الاغريقيّ ظهرَ تيّاران متضادان، أحدهما يؤكّدُ على ثباتِ الهويّة، والآخر يقفُ على الضّدِّ من ذلك ويقولُ بالتغيّرِ المستمر والتّحوّلِ الدائم، وبمعنى مختلف ومغاير أنّ التراكماتِ الكميّة تؤدّي إلى تحوّلاتٍ نوعيّة، وهو ما يُعبّرُ عنه ب "الصيرورة".

ويمثّلُ التّيّار الأوّل الفيلسوف الإغريقيّ برمنيدس.( 540-4٨٠). الّذي يقولُ بوحدةِ الوجود، ويرى بأنّ "الوجودَ الحقيقيّ الذي لم يخلقهُ أحد، ثابتٌ وملاءٌ" وسرمديّ لا يعتريه الفسادُ والفناء، وأنّ ما يطرأ عليه من تغيّراتٍ ظاهرية ليست إلّا وهماً تلامسُ فقط شكلهُ الخارجيّ. وله عبارتهُ الشّهيرة القائلة " المرءُ يبقى دائماً على ما هو عليه".( د. عصام عبدالفتاح، ضمن مقال اشكالية الهوية..)

أمّا التيّارُ الآخر فيمثّله الفيلسوفُ الإغريقي أيضاً هرقليطس.( 535-475). الذي يقول بأنّ الصيرورةَ هي قانونُ الكون الأساسيّ، وأنّ الكونَ في تغيّرٍ مستمر، و تحوّلٍ دائم فلا شيء ثابت ومستقرّ، بل كلّ شيء في جريانٍ،  وحركة. وله مقولته الشهيرة. " بأنّ المرء لا يستطيعُ أنْ يستحمَّ في مياه النهر لمرتين" لأنّ مياهاً جديدة تأتي دوماً.

وفي وقتٍ لاحق ظهرَ الفيلسوفُ الإغريقيّ الشّهير أرسطوطاليس.( 384-322). مؤسّسُ المنطقِ الصوريّ، و واضع مبادئه الأساسيّة التي تتّصفُ "بالكليّة والضرورة والبديهيّة". وما يهمنا من تلك المبادئ هو مبدأ الهويّة : الذي يعبّر عنه بأنّ ما هو هو، وأنّ الشيء هو عينُ ذاته، ولا يمكنُ أن يكونَ شيئاً آخر سوى ذاته. والرؤيةُ السائدة عن أرسطو أنّه يقولُ بثباتِ الهويّة، ولكن د. عبدالإله بلقزيز يخلصُ إلى استنتاجٍ مغاير مفادهُ : أنّ مبدأ الهويّة عند أرسطو "لا يقتضي بالضّرورة، أنّه ينفي التّغيّر ويقولُ بالثّبات. " بل الأشياءُ في كينونتها تخضعُ للتطوّر والتحوّل والتراكم الّذي يفضي إلى التّجدّد المستمر ".(د. عبدالإله بلقزيز، مفهوم الهوية في بعده النسبيّ والتاريخيّ ...). مضيفاً أنّ كلّ الفلسفاتِ قبل أرسطو وبعده شدّدت على أنّ التّغيّر والصيرورة حالة ملازمة لأيّ تكّون ماديّ. منذ طاليس...وإلى المادية الجدلية..." و وصولاً حتى منطقِ الاختلافِ المعاصر.

أيّاً كانت الاتجاهاتُ، ودرجةُ الاختلافِ  بين الرّؤى والنّظريات، فإنّ ما لا يمكنُ انكارهُ أنّ التغيّرَ والتحول قانونٌ أساسيّ يحكمُ سيرَ الطبيعةِ والمجتمعات وثقافتها، والأفرادِ أيضاً، ولا يمكنُ بأيّ حالٍ من الأحوال القفزَ عليها وتجاهلها.

٢- الهُويّةُ الثقافية :

بين الهُويّة والثقافة علاقةٌ وثيقة "بحيثُ يتعذّر الفصلَ بينهما فما من هويّة إلّا وتختزلُ ثقافة ولا توجد ثقافة إلّا بنسبتها إلى هُويّة. وقد تتعدّد الثقافاتُ في الهُوية الواحدة، كما قد تتنوّعُ الهوياتُ في الثقافة الواحدة".(د. حسين المختار محمد الشاوش، الإعلام الجديد والهويّة الثّقافيّة...ص ٦٥).

وهذا يستوجبُ منّا أنْ نؤمن ب" التّنوع والتّعدد الثّقافيين"، وأنْ نفهمَ أنّ ذلك أمرٌ طبيعيّ...لا بلْ وأنّه غنىً للحياة الإنسانية. ويكفي أن نشيرَ إلى أنّ منظّمةَ اليونسكو تحتفي في /21/ مايو من كلّ عام" باليومِ العالميّ للتنوّع الثّقافي" من أجل الحوارِ والتنمية، ليس لإبرازِ ثراءِ ثقافات العالمِ وحسب، وإنّما كذلك لإبراز الدّور الأساسيّ للحوار بين الثقافات في تحقيقِ السلام والتنمية المستدامة". (مقتبس من موقع الأمم المتّحدة..). ويدعو "الاعلان التّاريخي للثقافة". الّذي أقرّ بالإجماع من قبل وفود /150/ دولة في المكسيك في أيلول /2022/.في أكبر مؤتمر عالميّ مخصّصٍ للثقافة، يدعو للتسامحِ والتّنوّع الثّقافيّ والحوار وحقّ الانسان في ممارسة ثقافته والتّعبيرِ عنها بلغتهِ مهما كانَ حجمُ النّاطقين بها.

فالتّنوّعُ لا يعني التنافر ولا يعني نفيَ الآخر أو السعي لفرضِ نموذجنا عليه، كمحاولاتِ الإسلاميين الذين يسعونَ لفرضٍ نموذجهم الأوحد على الآخرِ المختلف، واعتبار كلّ ثقافةٍ أخرى ضلالاً وشركاً، هذا الموقف المتزمّت والمتطرّف يولّد صراعاً دمويّاً كارثيّاً.

وليس ببعيدٍ عن تلك الرّؤية الشّموليّة المتطرّفة مواقفُ اتباع "السّرديّات الكبرى". بتعبير الفيلسوف الفرنسيّ، جون فرانسوا ليوتار الذي اعتبرَ هذا العصر نهايةً وموتاً لتلك السّرديات".

( د. عبدالكريم الزيباري، سؤالُ الهُويّةُ ص١٤٩ ).

ولعلّنا نجد في مقولة فريدريك إنجلز.  ١٨٢٠-١٨٩٥). برهاناً على صحّةِ ما سبق عندما كتب :" إنّ مذهبَ ماركس كليّ القدرة لأنّه صحيح".

يذكّرنا الأنثروبولوجيّ البريطانيّ مايكل كاريذرس.( ١٩٤٥-...). بسؤالٍ تأمّليّ  لسقراط : كيفَ ينبغي للمرء أن يحيا؟.. سؤالٌ يترتّب عليه و "يفضي إلى أن نغيّر ما بأنفسنا".

ويسألُ علماءُ الأنثروبولوجيا سؤالاً آخر وثيق الصلة : كيف نحيا معاً؟... "وكيف نترابطُ مع بعضنا البعض؟". هذه المقولة تضمرُ التعدديةَ والحوار والتعايش.

( مايكل كاريذرس، لماذا ينفرد الإنسان بالثّقافة؟...ص١٩)

وبالعودةِ إلى مفهوم الهويّة الثقافيّة والذي يُطلقُ عليه اسمَ "الحدّ". ّ بلغة المنطقِ الصّوريّ، والذي يمكنُ أن يكونَ أكثرَ من كلمةٍ أو أكثرَ من كلمتين. فالمفهومُ المومأ إليه هنا مركّبٌ من مفهومينِ معقّدين هما : الهُويّة وسبقَ أن أوضحنا بعضَ جوانبهِ، كونه ليسَ مدارَ البحثِ، ولا ضيرَ من ذكرِ أحدها   فهي مثلاً " جملةُ الخاصيّات أو المشاعر أو الأفكار التي تميّزُ الأفرادَ أو الشّعوب عن بعضها" . وتشهد الهُويّة الكرديّة المتشظّية بالأساس تحوّلاً مستمرّاً في عصرِ العولمةِ والحداثة وثورةِ الاتّصالات..". (علي جزيري، جدل الهُويّة ص ٢٨).

أمّا المفهومُ الثانيّ وهو الثّقافة، فهو الآخر معقّدٌ وموضعُ نقاشٍ دائم، حيثُ أنّ للثّقافة أكثرَ من مائة وستين تعريفاً حسبَ المتداول : نختارُ منها تعريفَ الانثروبولوجيّ الانكليزيّ ادوارد تايلور.

( 1832-1917). كما وردَ في كتابه الشهير "الثقافة البدائية". عام 1871.

يقول : " الثّقافةُ أو المدنيّة هي ذلك الكلّ المركّب الّذي يشملُ المعرفة، والمعتقدات، والفنّ، والأخلاق، والقانون، والعُرف وأيّ قدرات أو عادات أخرى يكتسبها الإنسانُ كعضوٍ في مجتمع".

(د. أحمد سالم الأحمر، المثقّف العربي واقعه و دوره، ص٥٩).

وبدوره يعرّفُ عبدالله العرويّ الثّقافةَ تعريفاً عضويّاً بأنّها : "مجموعُ الرّموز الّتي تعكسُ الحياةَ الجماعيّة انعكاساً مباشراً، لذا يكونُ كلّ عضوٌ من أعضاء المجتمع حاملُ ثقافة رغمَ وجودِ أفراد متخصّصين كالشّاعر، أو القصّاص أو الطبيب أو السّاحر، تسمى الثقافةُ في هذه الحالة عضويّة لأنّ بنيتها مطابقة لبنية المجتمع".

( راجع كتابه : ثقافتنا في ضوءِ التاريخ،ص 172).

وهناك تعريفٌ آخر مختصرٌ مفادهُ أنّ الثقافة تعني ذلك" النّسق من المعرفة العامة والمتخصّصة".(د. أحمد مجدي حجازي، المثقّفُ العربيّ والالتزامُ الأيديولوجيّ، ص ٢٢). ومن الجدير بالذّكر أنّ الثقافةَ لا تقتصرُ على الجوانبِ المعرفية والنظريّة، بل تشملُ الجوانبِ الماديّة أيضاً التي ينتجها الإنسان. وهذا يعني أنّ الجماعات المتنقّلة كالبدو الرّحل لديها ثقافة، ولكنّها غير مشمولةٍ بمفهوم الحضارة، لأنّ الأخيرةَ لا تنشأ إلاّ معَ الاستقرار.

من كلّ ما تقدّم، وممّا هو متوفّر على الصفحات المعرفيّة، أو على المواقع الالكترونيّة اخترتُ التعريفَ التّالي للهُويّة الثّقافيّة من الويكيبيديا :

"الهويّةُ الثقافيّة هي الهويّة أو الشعور بالانتماء إلى مجموعة، وهي جزءٌ من مفهومِ الشخص الذّاتيّ ونظريةِ الفهم الذّاتي، ويرتبطُ بالجنسيّة والاثنية والدّين والطبقة الاجتماعية والموقعِ أو أيّ نوع من الفئات الاجتماعيةِ التي لها ثقافتها الخاصة".

يجدرُ بنا أنْ نعلم بأنّ هذا التّعريف، أو أيّ تعريفٍ آخر ينطوي على عناصر عديدة كما هو مشارٌ إليها في صلبِ التعريف، هي عناصر ليست ثابتة أو مقفلة ونهائية، بل مرتبطة بواقعٍ اجتماعيّ تاريخيّ وبالتالي فهي ذو طبيعةٍ مفتوحة، "ومطاطيّة قابلة للتّغيّر والتّحوّل" بتغيّر الأزمنة والأمكنة و وفق ما تقتضيه طبيعةُ الحياةِ الاجتماعية وتفاعلِ مكوّناتها الطبقيّةِ والاقتصاديةِ والثقافية على وجهِ العموم، وانفتاحها/ وتفاعلها مع  مكوّناتِ "الأنساقِ" الثّقافيّة الوافدة.

ثانياً-الهويّة الثقافيّة الكورديّة ومحدّداتها:

بعدَ محاولتنا توضيحَ مفهومِ الهُويّة الثقافيّة بشكلٍ عام، ودونَ تخصيصِ هويّةٍ ما بعينها، ننتقلُ إلى مفهومٍ آخر

ذو مجالٌ مخصّص ومحدّد، ذلك أنّنا أضفنا مفهوماً آخر للهويّة الثقافيّة ألا

وهو مفهومُ "الكورديّة"، وبذلك نكون قد استبعدنا كلّ الهويات الثّقافيّة الممكنة، وحصرنا المفهومَ الجديد في دائرةٍ ضيقة.

وهنا كما نلاحظُ أنّ التّضمنَ قد زاد، فيما الشّمولُ قد قلّ ونقص، وذلك إذا تحدّثنا بلغة المنطق الصّوريّ، فكما نعلم أنّ العلاقةُ بين التّضمنِ والشمولِ هي علاقةٌ عكسيّة في المنطق الصّوري، حيث نعني بالتّضمّن صفاتَ المفهوم وخصائصه، فيما الشّمول يعني عدد الأفراد الّتي ينطبقُ عليها المفهوم.

وبهذا المعنى يمكننا أن نعدّدَ ما لا حصرَ له من أنواعِ الهُويّات : الهويّات الفرديّة،   والهويّات الاجتماعية، والهوية العشائريّة

لكلّ عشيرة، والهويّة الكورديّة في جنوب كوردستان، وفي شرقها، أو في شمالها، وفي غربيّها. والهويّات العربية، والهويّة الأوروبيّة، وحتى يمكنُنا أن نتحدّثَ عن الهويّة الثقافيّة لعصرٍ من العصور كأنْ نقول : الهويّة الثقافيّة لليونان القديمة.

فماذا إذاً بشأنِ الهويّةِ الثقافيّة الكورديّة..؟

١-الهويّة الثقافيّة الكورديّة :

نحن حقّاً أمام إشكاليّة معقّدة..! أعني إشكاليّة الهويّة الثقافيّة الكورديّة. حيث لا يختلفُ اثنان بأنّ أصعبَ التّحدّياتِ التي

تواجهُ تلكَ الهُويّة هي حالةُ الانقسامِ والتشظّيّ والتّصدّع التي يعاني منها الشعبُ الكورديّ : فالجغرافية الكوردستانية ممزّقةٌ بين أربعِ دولٍ مغتصبة أو خمس ومعها انقسم الشّعبُ الكورديّ بينَ تلك الدّول الحديثةِ والمصطنعة، وباتتْ هويّتهُ محسوبةٌ على هويةِ تلكَ الدّول الحديثة أو الكيانات، والّتي لا تعترفُ بالهويّة الكردية قطعاً، بل تفرضُ كلّ دولة منها لغتها وثقافتها على الشعب الكرديّ الملحقِ بها قسراً، وباتَ الحديثُ عن هويةٍ ثقافية كوردية جريمة يعاقبُ عليها القانون. وبهذا صارَ للكوردِ أربع هويّات : فهم في تركيا أتراكُ الجبال، وفي ايران بدو الفرسِ، وعربٌ في القسمين الملحقين بسوريا والعراق، أو أبناءُ الجان كما جرى وصفهم في بعضِ كتبِ التّراث الاسلاميّ إن لم يكنْ كلّها.

فضلاً عن ذلك جرى ويجري تزويرُ التّاريخ وسرقةُ الآثار وطمسِ معالمها، وتبديلِ أسمائها : مثلاً في تركيا حُرّف اسمُ الموقع الأثريّ الّذي يقع بالقرب من مدينة أورفا والمعروف ب : "خراب رشك" أو "گرى مرازان" إلى "كوبكلي  تبه" وهي كلمة تركيّة. وحتى الجبال والأرض والبلدات والقرى، وأسماء الشخصيّات التّاريخيّة، طالها التحريفُ والتبديل الممنهج. مثلاً يدّعي الأتراك أنّ صلاح الدّين الأيوبيّ من أصولٍ تركيّة.

وفي غربِ كوردستان مثلاً يتطلّبُ تسمية المولودِ الجديد الحصولَ على موافقةِ فروعِ الأمنِ السياسيّ.

لابدّ من التنويه أيضاً بأنّ الحديثَ عن السياساتِ العنصرية واجراءاتها المشينة والمدانةِ بكل المقاييسِ أكبرُ بكثيرٍ من أن يحصرها بحثٌ صغير، كونها تحتاجُ كتباً  ومجلّداتٍ، وهذا ليسَ من ضمنِ أهدافِ البحث ومراميه. ( بهذا الخصوص ولمزيدٍ من المعلومات يمكنُ مراجعةَ الكتبِ التّالية : كردستان مستعمرة دولية، پروفيسور اسماعيل بيشكجي. وكتاب : سؤال الهويّة الكورديّة، د. عبدالكريم الزيباري. وكتاب : جدل الهويّة الكردية والمواطنة المتعثّرة، أ. علي جزيري ).

بعد كلّ هذا هلْ يمكنُ الحديثَ عن هويّةٍ ثقافيّة كورديّة. من المؤكّد أنّ الاجابةَ ستكونُ نعم، فبرغمِ كلّ المآسي والكوارث والويلاتِ والإبادات العرقيّةِ والثقافية لم يتمكنِ الأعداءُ من تدجينِ الشّعبِ الكورديّ وليّ ذراعهِ، وكسرِ إرادته وثنيهِ، عن المطالبةِ بحقوقهِ المشروعةِ المتمثّلة في تقريرِ مصيرهِ والعيشِ بحريةٍ وأمان في أحضانِ سهولهِ الرّحبة، وعلى قممِ جبالهِ الشامخة، وثنايا أوديته السّاحرة، وفيضِ طبيعتهِ الخلّابة  الغنيّة، بكلّ أشكالِ الحياة الفريدة والبهيّة والمتنوّعة.

مثلُ هذا التعريف لا يختلفُ عن تعريفِ هُويّاتِ الشّعوب الأخرى، إلّا بما يتميّز به الكورديّ من خصوصيّاتٍ لُغَويّة، ثقافيّةٍ، تاريخيّة  جغرافيّة، وقيمٍ جماليّة، أو معايير  أخلاقيّة، أو عاداتٍ وتقاليد ذاتُ خصوصيّةٍ بعينها. ولكنْ كما قلنا ونقولها ثانيةً أنّ لا هويّة ثقافيّة مغلقة وستاتيكيّة لأنّ الحياةَ الاجتماعية تحكمها الجدليّةُ  والدّيناميةُ الأبديّة.

٢- محدّداتُ الهويّةِ الثقافيّة الكورديّة :

لكلّ أمّةٍ أو شعبٍ من الشّعوب خصائصَ تميّزها عن غيرها، وتحدّد هويتها  الثّقافيّة. يوزّع هنتنغتون مكوّنات الهويّة على أربع مجالات، شخصيّة، وثقافيّة وإقليميّة، وسياسية. أما في المجال الثّقافي فيشير إلى عوامل :" اللّغة، الدّين، الطّائفة، العشيرة، القوميّة...".( د. عبدالكريم الزيباري، سؤال الهويّة...ص:١٣). ضمن هذا المنحى سوف أركّز على المحدّدات التالية التي تدخل في تشكيل الهويّة الثقافيّة الكورديّة وفي المقدمة منها :

١ً- اللّغة :

ما هي اللّغة..؟ وكيف ظهرت ونمت وتطوّرت..؟ أسئلة تحتاج مساحةً واسعة من السرد والتّحليل والنقد والتأويل. ليس هنا مجال البحث فيها، لا بل ثمّة خشية حقيقية من الاقتراب من تخومها لذلك أكتفي بما يخدم حدود النصّ هنا.

"يؤكّد تشومسكي أنّ معرفة اللّغة تختلف تماماً عن أنواع المعارف الأخرى، فاللغة نسق من القواعد النّحويّة... يتألّف من بنية عميقة فطريّة لدى أفراد البشر"

مضيفاً أنّ الطّفل "يتعلّم اللّغة سريعاً مقارنةً : بالمهارات الأخرى". وأطلق تشومسكي على هذه الآلية الذّهنيّة الموروثة اسم" جهاز اكتساب اللّغة ". ويعتمد تعلّمها على :الادراك والاهتمام والتّصنيف... والذّاكرة".( مايكل كاريذرس، لماذا ينفرد الانسان بالثقافة..ص:١١٠-١١١).

بدوره يعرّف اللّغوي السّويسريّ فرديناند دي سوسير( ١٨٥٧-١٩١٣). اللّغة بأنّها " نظام من العلامات المعبّرة عن أفكار". وهو تعريفٌ اخترناه  من بين تعريفاتٍ عديدة له.

فيما عرّف عالم اللّغة الأمريكي إدوارد سابير( ١٨٨٤-١٩٣٩). اللّغة بأنّها : "وسيلة إنسانية خالصة وغير غريزيّة إطلاقاً، لتوصيل الأفكار والانفعالات  والرّغبات عن طريق نظام من الرّموز التي تصدر بطريقة إرادية ".(التعريفان أعلاه، مقتبسان عن محاضرة٢.جامعة بابل.

Cdnx.uobabylon.edu.iq

تتصدّرُ اللّغةُ قائمةَ المحدّداتِ أو العناصرِ التي تدخلُ في تشكيلِ الهويّةِ الثقافيّة وإبرازها لدرجة أنّ البعضَ يضعهما في كفتيّ ميزان، بمعنى أنّ

الهُويّة هي اللّغة، واللّغة تساوي الهويّة ذلك أنّ اللّغة "معيارٌ أساسيّ في حفظ الهويّة وتحديد الذّات وإذا فقدت أمّةِ لسانها أضاعت تاريخها".( د. نورالدين لبصير، تجاذبات اللّغة والهويّة بين الأصالة والاغتراب...) والسؤال هنا  هل تستقيم هذه المعادلة...؟

على الرغم من مركزية اللّغة وكونها معلماً أساسيّاً في تشكيل الهويّة الثقافيّة

ألا أنّ الهوية تبقى أوسع من تحجميها في عنصرٍ بعينه، مما يعني وجودَ عناصر أخرى تدخلُ في بلورةِ الهويّة، وتشكيلها. إنّ تعدّد العناصر  يفسح المجال للانقسام بشأن أهمية هذا العنصر أو ذاك، فالبعض يعتقد "أنّ اللّغة هي أهم عناصر الهويّة والبعض الآخر يقدّم الدّين أو القوميّة، أو غير ذلك"( د. عبدالكريم الزيباري، سؤال الهُويّة الكرديّة، ص:٣٠).

مهما كان الخلاف، يتوجّب علينا ألا نبالغ في الدّور الأحاديّ للّغة، مثلما يجب علينا ألّا نقلّل من شأنها. فالبعض من الشّخصيات الكورديّة ذهب إلى حدّ رفعِ الصفة الكورديّة عمّن لا يتكلمها أو لا يكتبُ بها من الكورد، فيما استعمل الشاعر حجي قادر كويي  كلماتٍ نابية بحقّ أولئك. لا شك أنّ مثل هذا الموقف العاطفيّ المتشنّج ربّما ليس إلّا تعبيراً عن الغيرة، وحرصاً على الهوية وتحفيزاً للكورد بالتّمسّك بلغتهم كعنصر أساسيّ يبرز هويّتهم الشخصية والمجتمعية، كما ويشكّل ردّاً على العنصريين الذين يرومون النيل من الهويّة الثقافيّة الكوردية وإبادتها... لكن من جهةٍ أخرى يغفل هذا الخطاب أثر العقل والوعيّ ودورهما في حماية اللّغة وصونها.

في عام /١٩٨٤/ كنت أتّبع دورة تقوية في اللغة الفرنسية في المركز الثّقافي الفرنسي بدمشق، تعرّفت أثناءها على شاب كورديّ من حيّ ركن الدين الدمشقي، لكنّه كان يتحسّر ألماً كونه لا يعرف لغته الأمّ. وهناك مثله بالآلاف فهل نعتبر هذا الشّاب وأمثاله كورداً أم لا...؟

بكل الأحوال ينبغي الحذر من التّعصّب اللّغوي وعدم المغالاة في تعظيمها. وبالمقابل الحطّ من شأن لغات الآخرين.

مثلاً جالينوس اليونانيّ شبه اللغات الأخرى ب" نقيق الضّفادع مقارنة باليونانيّة". والأتراك يرون " أنّ لغتهم الأمّ هي أمّ اللّغات". والعرب بدورهم يقدّسون العربيّة " كونها لغة القرآن".

( علي جزيري، جدل الهويّة...ص ٦٧ ). والكورد بدورهم " يعظّمون لغتهم و منطقتهم كونها مهد الحضارة".

تبقى اللّغة حجر الزّاوية وركن الهويّة الأساسيّ، ولكي يحافظ الكورد على هويتهم الثّقافيّة، ليس من سبيل أمامهم سوى الكتابة بها، والعمل على تطويرها.

ولعلّ ما يؤكّد ويبرهن على أهميّة اللّغة الكوردية في الحفاظ على هويّتهم وديمومتها، هو لجوء أعدائهم من السّلطات الشوفينية :عرباً وفرساً وتركاً إلى محاربة الكورد في لغتهم ومنعهم من استعمالها وتداولها كتابةً وحتى شفاهاً.

قال أتاتورك ذات مرّة " إذا أردنا اخضاع أمّة وتحويل شعبها إلى عبيد وسلب هويّتها...علينا أن نقضي على أبجديّة تلك الأمّة وعلينا أن نمنع تلك الأمّة، أو ذاك الشّعب أن يتحدّث بلغته ونحول بينه وبين ثقافته".( علي جزيري، جدل الهويّة.. ص:٧٣).

لا يخفى أنّ لغات كثيرة انقرضت، وأنّ نصف لغات العالم والبالغ عددها حوالي سبعة آلاف لغة مهدّدة بالانقراض. لا بل أنّ" اللّغات اليوم قتلت، وأنّ التنوّع اللّغوي يختفي بشكل أسرع من أيّ وقتٍ مضى...وقد عُرف مرتكب الجريمة بالعولمة".( مقولة للباحثة، توف شكاتناب كانغاز، وردت في كتاب اللّغة والهويّة، جون جوزيف، ص:٢٣٢-٢٣٣).

هذا الاختفاء المتسارع لبعض اللّغات يفتح المجال أمام سير بعض اللّغات نحو الكونيّة، وخاصة اللّغة الانكليزية ولهذا يتحدّث البعض عن" الامبريالية اللّغوية الانكليزية".( جون جوزيف، اللّغة والهويّة، ص:٢٣٧). مهما قيل أو يقال

تبقى اللّغة نسقاً من المفاهيم والرموز، و وسيلةً للتّواصل والتّمثل والتعبير، وأسلوباً في فهم العالم المحيط بنا، ومعياراً رئيسيّاً لتحديد الهويّة الثقافيّة هنا أو هناك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Reviewed by Yekîtiya Nivîskarên Kurdistana Sûriya on سبتمبر 13, 2025 Rating: 5   الهُويّة الثقافيّة الكورديّة محدّداتها وأنساقها المفاهيمية. مقاربة نقديّة أوّليّة. القسم الاول   سعيد يوسف   مدخـــــــل عام : ...
Next
This is the most recent post
رسالة أقدم

ليست هناك تعليقات: