كوردستان هي مهد اللغات الكوردستانية "اللغات الهندوأوروپية"
مهدي كاكەيي
في البداية أود أن أذكر بأنّ مصطلح "اللغات الهندوأورو پية" هو مصطلح حديث، تمّ استعماله لأول مرة في عام 1813. سبب هذه التسمية يعود الى أن الزائرين الأوروپيين للهند لاحظوا وجود كلمات مشتركة بين اللغة الهندية واللغات الأورو پية. هذه الزيارات بدأت منذ القرن السادس عشر، مما أدى الى إهتمام اللغويين الغربيين بهذا التشابه بين اللغة الهندية واللغات الأوروپية والتي قادت الى تسمية هذه اللغات باللغات الهندوأوروپية. كوردستان هي منبع هذه اللغات ولذلك فأن المصداقية العلمية والتاريخية تستوجب أن تتم تسمية هذه اللغات بإسم (اللغات الكوردستانية)، حيث أنني بدأتُ أستخدم مصطلح (اللغات الكوردستانية) الذي هو المصطلح الصحيح. أأمل أن يتبنى ويستخدم العلماء والمؤرخون والباحثون هذا المصطلح الصحيح بدلاً من مصطلح "اللغات الهندوأورو پية".
الآن نعود الى الموضوع الذي نحن بصدده. قام (13) علماء بإجراء بحثٍ لمعرفة المنطقة التي إنبثقت منها عائلة "اللغات الهندوأوروپية". الدول التي تنتمي إليها هؤلاء العلماء وأعدادهم لكل دولة، هي كالآتي:
نيوزيلندا: 3 علماء
بلجيكا: عالِم واحد
هولندا: عالِمان
أستراليا: عالِمان
الولايات المتحدة الأمريكية: 4 علماء
بريطانيا: عالِم واحد
إشتركت في هذا البحث (13) مراكز بحثية وأقسام علمية متخصصة في المجالات التالية:
علم الكومپيوتر
علم الأحياء الدقيقة والمناعة
علم اللغات النفسية
الدماغ (علم المعرفة الدماغية والسلوك)
علم النفس
الثقافة والتاريخ واللغة والعلوم المتعلقة بِآسيا والمحيط الهادئ
علوم المعلومات الصحية والمعلومات الحياتية
البيئة الجزيئية والتطور
الفلسفة
علم الرياضيات البايولوجية
علم الإحصاء البايولوجي
علم الوراثة البشرية
علم الإنسان الإدراكي والتطوري
إشتركت في هذا البحث المراكز العلمية والجامعات التالية:
جامعة أوكلاند النيوزيلندية
مركز ريگا البلجيكي
مركز ماكس پلانك للغات النفسية الهولندي
جامعة رادبود الهولندية
الجامعة الوطنية الأسترالية
كلية الطب – جامعة نيويورك الأمريكية
جامعة كاليفورنيا الأمريكية
جامعة أوكسفورد البريطانية
تمّ نشر البحث في المجلة العلمية الأمريكية (Science) [1]. هذه المجلة هي أشهر مجلة علمية عالمية الى جانب مجلة (Nature) البريطانية، اللتان تنشران الأبحاث الأصيلة فقط أي يقتصر النشر فيهما على الإكتشافات والإختراعات فقط.
في هذا البحث، قام العلماء بأخذ فرضيتَين متنافستَين كمصدر للعائلة اللغوية "الهندو-أوروپية". وجهة النظر التقليدية، كانت تضع موطن هذه اللغات في سهوب پونتيك (جمهورية أوكرانيا الحالية) قبل حوالي (6000) سنة. تدّعي فرضية بديلة، أن "اللغات الهندو-أوروپية" إنتشرت من منطقة الأناضول (شمال كوردستان) مع التوسع في الزراعة خلال (8000) إلى 9500 سنة مضت.
إستخدم الباحثون العلميون في بحثهم منهج دراسة العمليات التاريخية التي قد تكون مسؤولة عن التوزيعات الجغرافية المعاصرة للأفراد. تمّ إجراء هذا البحث من خلال النظر في التوزيع الجغرافي للأفراد على ضوء علم الوراثة، وخاصة علم الوراثة السكانية، جنباً إلى جنب مع بيانات المفردات الأساسية لِ(103) لغات هندو- أوروپية قديمة ومعاصرة، لِعمل نموذج واضح لإنتشار هذه العائلة اللغوية وإختبار الفرضيتَين المذكورتَين.
وجد الباحثون دعماً حاسِماً لِكون كوردستان منبع اللغات الهندو-أوروپية. يتطابق كل من التوقيت المُستنتج والموقع الجذري لأشجار اللغات الهندو-أوروپية مع التوسع الزراعي من كوردستان الذي بدأ بين سنة (7500) وسنة (6000) قبل الميلاد. تُسلّط هذه النتائج الضوء على الدور الحاسِم الذي يمكن أن يلعبه إستنتاج الدراسة الجغرافية لتوزيع الأفراد وراثياً في حل الجدال الدائر حول عصور ما قبل التاريخ البشري.
كما أنّ إكتشافات عالِم الآثار الأمريكي الپروفيسور (روبرت جون بريدوود Robert John Braidwood) و (Bruce Howe) تتوافق مع نتائج البحث الذي أجراه هؤلاء العلماء، حيث يذكر الباحثان بأن الإنتقال من حياة الصيد الى حياة الزراعة حدث في شمال كوردستان في حوالي سنة (6000 - 10000) قبل الميلاد [2]. يضيفان بأن الشعب الكوردي كان من أوائل الشعوب التي طوّرت الزراعة والصناعة ومن أوائل الشعوب التي تركت الكهوف لتعيش في منازل بها أدوات منزلية متطورة للإستعمال اليومي وأن الزراعة وتطوير المحاصيل الزراعية قد وجدتا في كوردستان منذ (12) ألف سنة، إنتشرت منها إلى ميزوپوتاميا السفلى، ثم إلى غرب الأناضول ثم إلى الهضبة الإيرانية ثم وصلت منذ ثمانية آلاف سنة إلى شمال أفريقيا ثم أوروپا والهند. مع إنتشار الزراعة، إنتشرت عائلة اللغات الهندو-أوروپية الى الشعوب التي تتكلم بها اليوم، كما توصّل إليه هؤلاء الباحثون العلميون. يستطرد هذان العالِمان الأمريكيان بأن الكثير من المحاصيل الزراعية التي نعرفها الآن، كالقمح والذرة والشعير قد إنطلقت من كوردستان. حول الصناعة، يؤكد الپروفيسور المذكور بأن الموقع الآثاري "چيانو" الواقع في شمال كوردستان يمكن أن يُطلق عليه إسم أقدم مدينة صناعية في العالم، حيث يُستخرَج منه النحاس إلى يومنا هذا، كما عُثر فيه على صلصال دُوّن عليه التبادل التجاري. في موقع "چيانو"، عثر عالِم الآثار (روبرت جون بريدوود) وفريقه التنقيبي أيضاً على أقدم قطعة قماش في العالَم والتي تمّت حياكتها في حوالي سنة (7000) قبل الميلاد.
نتائج البحث تُفسّر كون أكثر من 50% من الكلمات الإنگليزية مأخوذة من لغة أسلاف الكورد السومريين، التي أشار إليها العالِم اللغوي البريطاني الپروفيسور (Wadell) قبل نشر هذا البحث بِعشرات السنين [3].
على سبيل المثال، لا تزال هناك آثار المزارعين الكوردستانيين الذين هاجروا الى أوروپا باقية في جنوب غربي بريطانيا في موقع (ستونهينج Stonehenge) الأثري، حيث أنّ تحليل العظام الباقية لهؤلاء المزارعين في الموقع المذكور، بإستخدام الحمض النووي يكشف أنّ بُناة ذلك الموقع الأثري هم من كوردستان.
هذا الإكتشاف هو ثورة كبرى في التاريخ الكوردي ويُظهِر عراقة الشعب الكوردي والدور المحوري الذي لعبه أسلافه في لغات وثقافات وحضارات شعوب العالَم وكونهم الروّاد الأوائل في إبتكار الزراعة والكتابة والحروف والأرقام والصناعة والفن والموسيقى وتدجين الحيوانات وإنشاء المدنية.

.jpeg)
ليست هناك تعليقات: