الكتابة والقراءة في زمن الشاشة الزرقاء - پيمان قاسم - اتحاد كتاب كوردستان

728x90 AdSpace

شائع
الأربعاء، 4 أكتوبر 2023

الكتابة والقراءة في زمن الشاشة الزرقاء - پيمان قاسم

 

الكتابة والقراءة في زمن الشاشة الزرقاء

پيمان قاسم

Pênûsa Azad:H.15

القلم والأسطر والكلمات تشكّل معاً، مجموعة الوسائل التعبيريّة التي يعبّر بها الإنسان عمّا يختلج في نفسه وما تعتريه من مشاعر تعكس صورته الحقيقية كونها تترك انطباعاً معيّناً في نفس القارئ.

ولكنّ تلك الوسائل التي استُبدِلَت اليوم بالأزرار ولوحة المفاتيح والشاشة الزرقاء قد وقفت عائقاً، إلى حدٍّ ما، بين الكاتب والقارئ لأنّ الكاتب قد اضطرّ للاستعانة بهذه الأدوات الجديدة لتكون جسراً للوصول إلى القرّاء، بعدما خفّت أسهم القراءة الورقيّة في أرصدة الثقافة والمعرفة في ظلّ الثورة الرقميّة.

لكن يبقى للكتاب أهمية كبرى في حياة الإنسان لتوعيته وتثقيفه وتوسيع مداركه أيّاً كانت درجة ثقافته أو مرتبته أو عمره، فهو بروتين روحي تحتاجه النفس الإنسانية حاجةَ الجسم للماء والغذاء.

كما أنّ القراءة والاطّلاع والاكتشاف المعرفي مقوماتٌ أساسيّة للكتابة الاحترافية، وفي هذا الصدد يعرّف الدكتور وجيه المرسي أبو لبن (أستاذ المناهج في جامعة عين شمس، القاهرة) الكتابة بأنّها:

"الكتابة أداة للتعبير عمّا يجيش في النفس، وتتطلّب كفاءة لغويّة وعرض الأفكار ودقّة في التعبير".

 والقارئ العادي الذي يبتعد عن الكتب أو الصحف والمجلات الورقية ولا يفضّل اقتناءها، تستهويه الكتابات القصيرة المنشورة على (الفيس بوك أو التويتر أو الانستغرام أو اليوتيوب) بغض النظر عن مضمون موضوعها وعن النفع أو الضرر.

 لكنّ القارئ المثقّف أو الكاتب حين يعجز عن اقتناء الكتاب الورقي لعدم توافره أو غلاء ثمنه، لا يتعسّر عليه الحصول على مصادره التي يريدها، إلكترونيّاً، الأمر الذي يُبعد الكاتب عن الكتابة الورقيّة بالقدْر نفسه الذي يبعد القارئ عن القراءة الورقيّة.

والقارئ لأيّ كتابٍ (ورقياً كان أم إلكترونياً) حتى يكون قارئاً متعمّقاً، لا بدّ وأن يتّصف بـمواصفاتٍ أساسية، منها:

1- أن يكون مكتشفاً للمادة، يقرأ المعاني وما بين السطور ومضمون المادة وما تحتويها من أفكار ودلالات لغوية أو فكرية أو علمية.

2- أن يكون متفاعلاً مع المادة متأثراً بها مضيفاً إيّاها لتجاربه الحياتية السابقة.

3- أن يكون محايداً في قراءته وموضوعيّاً في استيعاب الرأي الآخر المختلف، وصولاً لغرض الكاتب من كتابة المادة دون إطلاق أحكام سلبية على الكاتب أو على مادته من وجهة نظره الشخصيّة المختلفة.

4- أن يُحسن انتقاء المواد والكتب التي فيها منفعته ليكون قادراً على اكتساب الخبرات والمعلومات منها.

5- أن يشبع ميوله وحاجاته النفسية ويوثّق الصلة بينه وبين الكتاب لما فيها من تحقيقٍ لذاته وصقلٍ لقدراته وتنميةٍ لرغباته في حبّ الاطلاع والمعرفة.

كما أنّ الكتابة المكوّنة من ركنيه الأساسيين: الآلي (المتمثّل بالمهارة الحركية)، والفكري (المتمثّل بالمهارة العقليّة أو الفكرية) تستلزم بأن يكون الكاتب، أيضاً، مُلمِّاً وواسع الاطّلاع في المجال الذي يعتزم الكتابة عنه، وهذا يتطلّب منه تنظيم أفكاره واستخدام لغةٍ صحيحة وأسلوبٍ سليم وخيال خصب، حيث أنّ القارئ الحصيف لا تنطلي عليه  رداءة الأسلوب أو ضعف اللغة أو سوء تنظيم أفكار تلك المادة، لأنّه سرعان ما يكتشف فيها مواقع الخلل وفجوات الكتابة.

 فالكاتب حالما ينشر كتاباته ما عاد يملك فيها غير اسمه، لأنّها ستغدو ملكاً للقارئ الذي سيبحث فيها عن ذاته من الزاوية التي يراها مناسبة له. 

ويؤكّد الروائي الأمريكي وليام فورستر على أهميّة ما يكتبه الكاتب بقوله:

"ينبغي ألا يقرأ الكاتب ما كتبه بل ليترك غيره يقرأه، لأنه ألّف الكتاب ليقرأه غيره. فهو يكتب لنفسه ويدع غيره يقرأ ما كتبه".

والجدير بالذّكر:  إنّ القدرة على الكتابة تستند إلى جملة من العوامل النفسيّة والفكريّة والثقافية والعلمية والمعرفية التي اكتسبها الكاتب من محيطه، فضلاً من أنّ العاملَين الاجتماعي والجغرافي يلعبان دوراً بارزاً في قدرته على الإبداع،

 فالكاتب في البيئة الصحراوية يختلف في كتاباته عن نظيره في البيئة الجبلية أو الساحلية، وكذلك تختلف كتابات الكاتب الذي يعيش في مدينةٍ مزدحمة عن الكاتب الذي يعيش في الريف أو في قريةٍ نائية، وكلٌّ منهم له أسلوبه التعبيري المختلف في انتقاء أدواته التي استقّها من بيئته الجغرافية ومحيطه الاجتماعي، وبالتالي فهو بذلك ينقل القارئ من حالة الواقع إلى حالة الخيال الرحب بفضاءاتٍ متعدّدة.

إلى جانب أن عامل الجنس أيضاً يلعب دوره في أسلوب الكتابة وطريقة التعبير، فالكاتبة تختلف في طريقة سردها للرواية والقصة (مثلاً) وعرضها للصور الجمالية عن الكاتب، وهذا مرهون بقدرة كلٍّ منهما بحسب التجارب الحياتيّة التي عاشاها والثقافة التي ألمّا بها والبيئة التي استعان كلٍّ منهما بأدواته.

ولابدّ من الإشارة، في هذا الصدد، بأنّ الكتابة الإبداعيّة تتّسم بالكثير من السمات التي تحدّد خبرات وقدرات الكاتب وحنكته في التلاعب بالألفاظ والكلمات بما تخدم فكرته، منها:

- اللغة المبتكرة المتقنة التي يعتمدها الكاتب لصوغ أفكاره بالشكل الملائم.

- الصور الجماليّة والكنايات والألفاظ البديعية التي تحمل دلالاتٍ توظَّف فيها الفكرة لتوسيع مدارك القارئ وآفاقه.

- إحكام الصياغة اللغوية، هندسة الجمل، جمالية تنسيق الألفاظ والعبارات. 

- ثقافة الكاتب الواسعة، سِعة اطلاعه، خبراته وتجاربه المتعددة.

وفي هذه الحالة، فالكاتب حين يكتب فهو يترجم للقارئ، بالكلمات، جميع إدراكاته للعالم الخارجي لينقل صورة الواقع إلى الخيال أو بالعكس، بلغةٍ متقنة وقدرةٍ على ترتيب الكلمات ترتيباً صحيحاً بكلّ ما يملك من أدواته الإبداعيّة، ليملأ الفراغ العاطفي والنفسي الذي يعاني منه هو نفسه حينا، وليُشبع حاجة القارئ الفكرية حيناً أخرى، فتكون الكتابة أشبه بإيقاعٍ أو لحن موسيقيٍّ يوحّد بين العازف والسامع في مدارٍ واحد.

ويشير الكاتب عباس محمود العقّاد إلى القراءة ودورها في حياة الإنسان وما تضيفه إليها، قائلاً:

"لستُ أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمراً في تقدير الحساب، إنّما أهوى القراءة لأنّ عندي حياةً واحدةً في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرّك ما في ضميري من بواعث الحركة، والقراءة دون غيرها هي التي تعطي أكثر من حياةٍ في مدى عُمر الإنسان الواحد لأنّها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق وإنْ كانت لا تُطيلها بمقدار الحساب".

فإذا كان الكتاب خير جليس في الأنام، وخير صديق وأنيس في العزلة، فإنّ الثورة الرقميّة - في عصرنا - التي أنجبت الكتاب الإلكتروني، قد أغنتْ القارئ عن الصفحة الورقية وجعلته يستبدلها بالصفحة الإلكترونيّة على أجهزةٍ خاصة مثل "آي فون، وآي باد، وأندرويد" وغيرها، أي أنّ أجهزة المحمول وأجهزة الحواسيب هذه أصبحت الأنيس الذي لا بديل للقارئ عنها.

 ولا شكّ بأنّ لهذه الأجهزة فوائدها ومزاياها في توفير الكتاب الإلكتروني لقلّة تكلفته وكثرة توافره و مجانيته وسهولة تحميله وتخزينه في الأجهزة الإلكترونية، وسهولة نسخه ونقله بكل لغات العالم، دون التقيّد بالحدود الجمركيّة أو الرقابية التي تفرضها بعض الدول على كتابٍ معيّن، ويصعب توافره في أكثر الأوقات فضلاً عن تعرضه للتلف والضياع.

 لكن بالمقابل فللكتاب الورقي مآثره، حيث يُشعر القارئ بالراحة والمتعة لساعاتٍ طويلة مغيّراً وضعياته في الجلوس أو التمدّد ودون أن يُرهق عينيه، كما يخلق ألفةً حميميّةً بين القارئ والكتاب من خلال ملامسته لصفحاته وتقليبها واحدةً تلو الأخرى، كأنّه يتجوّل في بستانٍ من الورق، وتقوى الصلة بين القارئ والكتاب حين يحمله كطفلٍ صغير في حضنه، تلك الصلة التي لا يمكن للكتاب الالكتروني أن يوفّرها له، وبالرغم من ذلك نجد هناك مَن  يفضّل الكتاب الالكتروني أكثر لأنّها توفّر عليه الوقت والجهد والمال. 

فإذا قلنا بأنّ كِلا الكتابين (الإلكتروني والورقي) وسيلتان مُجديتان لإيصال المعلومة للقارئ، ولو بطريقتين مختلفتين، طالما أنّ الغاية واحدة وهي إثراء القارئ وإغنائه بالمعرفة؛ فلا بدّ من العلم بأنّ العلاقة بين الورقي والالكتروني هي علاقة تكاملية، رغم وجود مزايا ومساوئ لكلّ منهما، فالإنسان المعاصر يستعيض الكتاب الورقي بالكتاب الالكتروني، أحياناً، مستخدماً الأزرار ولوحة المفاتيح، لكنّه لا يستغني عن القلم والورقة كونهما يشكّلان جزءاً من حياته كاتباً كان أم قارئاً، ويستحيل في الوقت ذاته الاعتماد على تلك التقنيّة الإلكترونية  بشكلٍ دائم ولا سيما حين تنعدم الطاقة الكهربائية أو أية طاقة بديلة لشحن بطاريتها. 

ومع ذلك، ففي ظل عصر التحدّيات هذا، حيث الصراع قائمٌ على قدمٍ وساق بين إحلال السلام الإنساني والإبقاء على الدمار والحروب الكونيّة؛ نجد أن الشاشةَ الزرقاء قد أضحت تستحوذ على حيّزٍ كبير من اهتمام البشرية اختصاراً للزمن وتقريباً للمسافات.

ومن المسلَّم به أخيراً، بأنّ الكتابة والقراءة، ورقيّةً كانت أم إلكترونيّة، يشكّلان خطّان متوازيان في حياة الإنسان ولا يمكنه الاستغناء عنهما بشكل نهائي في الوقت الراهن، لأنّ الإنسان إذا أراد أن يكون كاتباً جيّداً فلابدّ أن يكون، بالدرجة الأولى، قارئاً ممتازاً.

                    

 

الكتابة والقراءة في زمن الشاشة الزرقاء - پيمان قاسم Reviewed by Yekîtiya Nivîskarên Kurdistana Sûriya on أكتوبر 04, 2023 Rating: 5   الكتابة والقراءة في زمن الشاشة الزرقاء پيمان قاسم Pênûsa Azad:H.15 القلم والأسطر والكلمات تشكّل معاً، مجموعة الوسائل التعبيريّة التي ي...

ليست هناك تعليقات: