بحث في تاريخ كورد
لبنان
كورد لبنـان التكوين والنشاط الاجتماعي
1918 ـ 1994
Pênûsa Azad-Hijmar 16
الجزء الأول
د. علي صالح ميراني
مدرس التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة زاخو/ كوردستان – العراق
يدرك المتتبع لتطورات
التاريخ الاجتماعي للكورد في لبنان، إنَّ الكورد اللبنانيين الذين هاجروا من مناطق
كوردستان المختلفة خلال فترات متباعدة نسبياً، نتيجة عوامل سياسية و أخرى اقتصادية
واجتماعية، وقعوا ضحية سياسة عدم مساواتهم ببقية مكونات المجتمع اللبناني، وعانوا
لعهود من الزمن من معضلة الحرمان من مزايا العدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص
في لبنان، الأمر الذي زاد من سوء أوضاعهم المعيشية المزرية أصلا، فضلاً عن جملة من
الأسباب الأخرى، تأتي في مقدمتها عدم امتلاك الأغلبية الساحقة منهم الأوراق
الثبوتية الرسمية اللبنانية، مع الإشارة إلى أن الكثير من مشاكلهم المستعصية كان
قد تم حلها في مراحل تاريخ البلاد بجهود بعض الساسة اللبنانيين الشخصية، إلا أنَّ الظروف العامّة للكورد في لبنان كانت
ولاتزال تتطلب موقفاً موحداً من قبل التنظيمات اللبنانية الخيرية الاجتماعية
والسياسية منها، لتلافي المشكلات المتبقية و كون لبنان بلد مفتوح على كل الاحتمالات
وبالاستناد إلى تلك الحقيقة الواضحة، فإن الكورد في لبنان في انتظار استحقاقات
قادمة، يمكن لهم إنْ احسنوا استغلالها، القدرة على تحسين ظروفهم الحياتية بشكل أفضل،
ولعب دور معقول قياساً إلى حجم تعدادهم السكاني في عملية صنع القرار السياسي في
البلاد، إسوة بباقي الفئات المكونة للمجتمع اللبناني، والتخلص من حالة الانكماش
الاجتماعي والسياسي والثقافي التي لازمتهم لسنوات طويلة.
مقدمة:
لبنان
جمهورية صغيرة تمتد نحو مائة ميل على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، من نهر
الكبير شمالاً حتى رأس الناقورة جنوباً، ويبلغ عدد سكانه ما يقارب أربعة ملايين
نسمة(1)، وفي هذا البلد شكل الكورد جزءاً
مهما من النسيج الاجتماعي العام، منذ هجرة
الأسر الكوردية الأولى التي ترسخ وجودها في لبنان عبر أجيال متعاقبة والعيش في كنف
الدولة، بدءاً بوصول الموجات الكوردية الأولى إلى البلاد قبل أن يتأسس لبنان كدولة
حديثة بحدوده الدولية الراهنة(2)،
واستمرار الهجرات إلى فترة متأخرة لاحقاً، وبالرغم
مما وفّرته أجواء لبنان العامة من مزايا الأمان
والحرية للنازحين الكورد الذين كانوا أحوج ما يكونوا إليها، عانى الكورد المهاجرون
صعوبات جمّة في القدرة على الاندماج والاستقرار بسبب جملة من المعيقات
تمظهرت بأوجه ومستويات متعددة، بدءاً بسياسة الإهمال والتهميش، ومروراً بسياسة
الحرمان من الجنسية اللبنانية وعدم مساواة الكورد بباقي مكونات المجتمع اللبناني
الأخرى، بالرغم من السعي الأكيد لزعماء الكورد اللبنانيين في المطالبة بذاك الحق
القانوني والدستوري، وانتهاءً بضالة مؤشرات مشاركتهم في المعادلة السياسية وتحجيم
الدور المنوط بهم وعدم السماح بالمشاركة الجدية في مفاصل الحياة السياسية للبلاد
من أبرز مظاهرها، عدم وصول أية شخصية كوردية صميمية إلى أي مركز مهم في الدوائر والمؤسسات
اللبنانية السيادية. فضلاً عن عدم تمتع الكورد بمزايا مفاهيم العدالة الاجتماعية
ومبدأ الفرص المتكافئة والمتساوية، مقارنة مع ماحصل عليه أبناء الطوائف والقوميات
الأخرى كالأرمن مثلاً.
برز النشاط الاجتماعي الكوردي في لبنان في فترة مبكرة من تاريخ الدولة وبالتحديد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، إلا أن ذاك الدور بقي رهناً بالظروف القاهرة، و غير قادر على تأمين وتوفير أبسط الحقوق الإنسانية للكورد، والتواصل مع المحيط اللبناني العام، وبالرغم من ذلك التراجع يمكن القول: إنّ المجتمع الكوردي اللبناني شهد نشاطاً ملحوظاً مع دخول البلاد اعتاب العقد الستيني من القرن المنصرم، تمثل بتشيكل روابط اجتماعية مختلفة، اعتمدت بالدرجة الأساس العائلي كمعيار تنظيمي إلى جانب بروز مجموعة من النوادي الاجتماعية، الثقافية، والرياضية المتنوعة، وكانت مسألة حل قضية التجنيس في سنة 1994 ذروة ما وصل إليه الكورد في لبنان من استحصال لحقوقهم المهضومة.
بدايات الوجود الكوردي في لبنان:
تعود بدايات الوجود الكوردي في لبنان، إلى هجرة
الأسر الكوردية الأوائل التي نزحت من وطنها كوردستان واستقرت في وطنها الجديد حتى
قبل أن يتشكل لبنان كدولة حديثة، خلال مراحل تاريخية مختلفة ولغايات ومرامي
متباينة(3). من أهم تلك الهجرات كان قدوم الأسرة الأيوبية
الكوردية خلال فترة القرن الثاني عشر للميلاد وبروز دورها في حماية الثغور إبّان
فترة الغزوات الصليبية للمنطقة، فضلاً عن هجرة أسر كوردية أخرى في ظل السلطنة
العثمانية ومن قبلها المملوكية التي كانت دأبت على إرسال زعماء الأسر الكوردية
المعروفة بشدة مراسها إلى المناطق الساخنة من السلطنة لتهدئة الأمور والحفاظ على
النظام فيها، كما سجل القرن الرابع عشر وفود بعض الأسر الكوردية إلى منطقة طرابلس،
خصوصاً في منطقتي عكار وضنية، بهدف توطيد ركائز الحكم المملوكي فيها، كما نزلت
بعضها الأخر البلاد في القرن السابع عشر هرباً من الظلم الواقع عليها من جهة
العثمانيين وبصدد ذلك أشار إحدى المصادر" أنّ الاكراد السنيين سكنوا منطقة
كسروان منذ سنة 1305" (2).
يمكن القول بناء على ما تقدم،
إنّ أبرز الأسر الكوردية التي استقرت في لبنان خلال فترات تاريخية سابقة،
كانت الأسرة الأيوبية التي استقرت في مدينة بعلبك منذ سنة 1139
بعد تعيين القائد الكوردي أيوب بن شادي والد السلطان صلاح الدين الأيوبي والياً
عليها والتي استمر دورها لفترة طويلة من عمر البلاد، وبهذا الصدد لابدّ من الإشارة،
ان بعض أحفاد هذه الأسرة الكوردية العريقة في شمال لبنان قضاء بترون في قرية (راس
نحاش) لايزالون محتفظين بلقب الإمارة رغم انحدار دور أسرتهم بمرور الوقت(3).
كما ترجع أسرة ال سيفا المشهورة في التاريخ اللبناني، إلى العنصر
الكوردي وهم حكام طرابلس الشام المشهورون بالكرم والأدب، الذين استقروا
في سهل عكار وطرابلس وتولوا الحكم فيها لفترة طويلة خلال عهد العثمانيين، أشهرهم
كان الأمير يوسف بن سيفا الذي رقي إلى رتبة وزير ووالي على طرابلس سنة 1579 وبعد أن
اضمحلّ دورهم، برزت أسرة كوردية أخرى تمت لهم بصلات قربى هي أسرة آل شهال في
المنطقة، ويشير مصدر لبناني مطلع ان جماعات كوردية "حلت شمال سلسلة جبال
الكلبية الجنوبية إلا أنّ العرب نطقت به (عكار) ثم عم الاسم المنطقة جميعها، وقد
عرفت إمارتهم باسم إمارة آل سيفا، ودامت نحو قرنين، ثم تفرقوا حيث غضب عليهم
السلطان مراد"(4).
وجاء الجانبولاديون الكورد إلى لبنان في القرن السابع عشر من منطقة
كلس التابعة لولاية حلب، بعد فشل ثورتهم المعروفة ضد العثمانيين وهم
الذين عرفوا بال جنبلاط فيما بعد(5). حيث
كانت بداية ترقيهم لسلم الزعامة في وطنهم الجديد لبنان، عندما تزوج علي بن رباح
جانبولاد بابنة الشيخ قبلان القاضي التنوخي زعيم مشايخ طائفة الدروز الموحدين في
منطقة الشوف، وبوفاة الأخير سنة 1702 بلا عقب، اتحدت كلمة رؤوساء طائفة الدروز على
أن يكون صهره علي وريثاً له في زعامتهم، الأمر الذي دفعه إلى تغيير مذهبه السني إلى
المذهب الدرزي، وبعد وفاته خلفه ابنه قاسم في زعامة الطائفة سنة 1791 وبوفاته خلفه
ابنه الشيخ بشير، الذي يعزى إليه بناء قصره المختارة قبل أن يقع ضحية مكيدة دبرها
له والي عكا عبدالله باشا سنة 1825(6).
برز
دور أسر كوردية أخرى أقل سطوة ونفوذ في لبنان، إلى جانب الأدوار تلك قامت بها الأسر
المعروفة، منها أسرة آل العماد المعروفة
في منطقة جبل لبنان، التي تتفق المصادر على أن جدها الأول عماد كان قد قدم من
مدينة ئاميدى في كوردستان - العراق(7)،
أما مشايخ آل صعب في جبل العامل وبكوات آل الفضل
الشيعة فهم من الأصول الكوردية أيضاً، ويرجعون في نسبهم إلى أحد قادة فرسان جيش
صلاح الدين الأيوبي وبعض الفرسان المرافقين معه، وتذكر المصادر: إنّه ولد
للفارس الكوردي بهاء الدين ابن سماه علي، ولشدة حنكته وقوته لقب بالصعب، فغدا لقباً
حمله أحفاده من بعده، وانهم ينتشرون في بلدات
وقرى، النبطية، المروانية، البابلية، أنصار، زفتا، دير الزهراني، كفر رمان، وإنَّ
حكمهم للمنطقة دام حتى سنة 1780(8).
كذلك فإنَّ أمراء منطقة عكار في شمال
لبنان، آل مرعب هم من الكورد،
الذين وفد جدهم إلى المنطقة سنة 1750 مع
من رافقه من الفرسان الكورد تنفيذاً لأوامر الدولة العثمانية لوضع حد لطموحات بني
سيفا، الذين امتنعوا عن دفع الضريبة لخزانة الدولة العثمانية، من المهم الإشارة إلى أنّ أحد المصادر المطلعة أشار: إنّ
عدد الأفراد المنتسبين إلى آل مرعب وصل في الأربعينات من القرن المنصرم إلى نحو
(3) آلاف كوردي، وإن جدهم نزح من منطقة جبل الكورد (عفرين) في كوردستان - سوريا، وإنهم
سكنوا مناطق، القطيع، الدريب، الجومة، وإن حكمهم لعكار دام أكثر من مائة عام دون أن
يكون لهم منافس حقيقي(9).
وتجدر الإشارة، إلى أنّ بكوات آل المعيطات في عكار قدموا من منطقة عفرين وسكنوا قرى منطقة عيون ومجدلا، و إنّ آغوات وادي الجاموس والحويش هم من الأرومة الكوردية في لبنان(10) كذلك الأسر، آل حمية الذين جاؤوا من كوردستان - إيران واستقروا في منطقة طاريا والهرمل وآل الآغا والكردي والعوطة وسنو وشبارو وعيدو وعرقجي وعسيران يُعدّون من الأصول الكوردية(11).
الهجرات الكوردية إلى لبنان مطلع القرن العشرين:
يُعد أجداد الكورد
المقيمين في لبنان، الذين يُعدّون جزءاً موجوداً في المنافي من الأمة الكوردية, إلى
الأسر الكوردية التي نزحت خارج حدود وطنها كوردستان لأسباب سياسية معيشية قاهرة
وغيرها من الأسباب، في مطلع القرن العشرين من عدة ولايات، لاسيما ولاية ماردين
الكوردية الواقعة ضمن خارطة كوردستان - تركيا، خاصة الهجرة الواسعة التي تمت من أقضية
الولاية التسعة، الراشدية، المحلمية، معسرتي، المخاشنة، المنيزل، مرجة، متينا،
كندريب، وجب كراو، وحسب بعض المصادر فإنّ غالبية الكورد اللبنانيين ينحدرون من تلك
المناطق بشكل عام(12).
يمكن عد
بدايات سنوات الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وما رافق الحرب من تدهور الأوضاع
المعيشية بصورة عامة وفقدان الأمن ولقمة العيش والسوء الذي شمل كل المستويات،
البداية الأوضح للوجود الكوردي في لبنان، حيث شهدت المناطق الكوردية في تركيا بشكل
خاص تدفقاً ملحوظاً من المهاجرين الكورد تجاه مناطق لبنان، التي شكلت ملاذاً آمنا
لهم في وجه غوائل الجوع والفاقة، الأمر الذي جعل منها موطناً نشد فيه المهاجرون
الكورد البؤساء المغلوبين على أمرهم الحرية والأمان ولان أهل لبنان عرفوا حسب أحد
المصادر بـ" التسامح والمودة وروح الإنسانية الكريمة"(13).
أشار
مصدر لبناني مطلع، إنَّ لبنان كان البلد الوحيد في المنطقة من حيث وجود صيغة
مشتركة محمية دستورياً للعيش المشترك والتنوع والتعددية بين طوائفه، وان ذلك كان
يظهر من خلال طريقة عيش اللبنانيين المتآلفة بين جميع مكوناته، لاسيما أنّ
البلاد كانت في فترة (1860-1914) منطقة نصف مستقلة ذاتيا، وعانت الكثير جراء ذلك،
غير انها استطاعت بجهود الدول الغربية من انتزاع الحكم الذاتي الكامل عن استنبول،
لذا كان من الطبيعي بعد نشوب الحرب العالمية الأولى أن العديد من أبناء الأقليات
والقوميات المضطهدة اضطرت لأن تبحث عن ملجأ يحميها في لبنان، وكان الكثير من
الكورد من بين اولئك الذين فضلوا المنفى على الموت المحتوم أو فقدان الهوية القومية
المميزة تحت حكم الأتراك(14).
ذابت معظم الهجرات الكوردية الأولى إلى لبنان في محيطها،
وإن كانت الأكثرية منها قد حافظت على أصولها ودينها ومذهبها، وإن النزوح الثاني تم
في فترة مابين الحربين العالميتن الأولى والثانية بصورة أكثر كثافة(15)، و إنّ المهاجرين الكورد حافظوا بشكل أكبر
على تراثهم الكوردي وإن وجد بين هؤلاء المهاجرين من انتمى إلى القومية العربية،
مما استدعى معه ظهور تقسيمات اجتماعية استمرت لفترة طويلة، استناداً إلى اللغة
التي يتقنها الفرد منهم فإذا كان يتقن الكوردية وحدها عد من (الكرمانج)، واذا اتقن
الى الجانب اللغة الكوردية اللغة العربية فلا يعد كوردياً خالصاً في نظر الآخرين،
ومع ذلك التقسيم المحلي، فإن المواطن
اللبناني نظر إلى الذين سكنوا إلى جواره من النازحين من مناطق كوردستان، على إنهم
ينتمون إلى القومية الكوردية بدون استثناء(16).
أُسكنت أعداد من أسر اللاجئين الكورد الكبيرة، في مناطق محددة من البلاد
لاسيما أحياء مدينة بيروت الفقيرة هي، زقاق البلاط، وادي أبو جميل، البسطة،
الكولا، الفاكهاني، برج البراجنة، الكرنتينا، المسلخ، النبعة، ولاحقاً سكنوا أحياء،
الزهرية، المغر، القبة وغيرها في طرابلس(17).
تشير مصادر مطلعة بخصوص استمرار تدفق الهجرات الكوردية، إنّ
الهجرة التي أعقبت فترة الكفاح المسلح للكورد في كوردستان - تركيا وما تبعها من إجراءات
السلطات التركية القاسية وما رافقها من قمع متناه وقتل على الهوية وحملات الترحيل
والتهجير الواسعة وتعليق القوميين الكورد على أعواد مشانق محاكم الاستقلال
التركية، التي وجدت لممارسة الانتقام بحق
السكان الكورد العزل، والتي صنفت على أنها كانت الأوسع من نوعها وتركت نتائج
كارثية منها، إنّ أعداد العوائل الكوردية المهاجرة من وطنها كوردستان بلغت أرقام
كبيرة بمقاييس تلك الفترة(18).
ترك نتائج واضحة على حياتهم ومستقبل أبنائهم قدوم
اللاجئين الكورد إلى منفاهم الاختياري،
حتى انهم لم يستطيعوا التواصل مع إخوانهم الكورد الذين سبقوهم بالهجرة كما
سبقت الإشارة، من الذين كانوا قد اندمجوا كلياً مع المناخ الاجتماعي اللبناني
ونسوا أصولهم الكوردية، وبهذا الصدد يذكر الدكتور أديب معوض الأكاديمي اللبناني
الذي يعد من أوائل من كتب عن الكورد اللبنانيين ما يلي: "نجد الأكراد أما في عكار وطرابلس، وأما في زحلة وبيروت وهم
قسمان منفصلان، ذلك أن الأكراد في الشمال لم يبق لديهم من الكردية غير الذكر، إذ
قد نسوا كل ما يمت بصلة سواه إلى الأكراد الأقحاح - بما في ذلك العادات واللغة
- وامتزجوا بسكان المنطقة الأصليين كل الامتزاج، اللهم إلا بعض الألقاب مما يشعر
زعماءهم إنهم من أصل كردي" وأشار في مكان آخر: إن "الأكراد في زحلة وبيروت
حديثو العهد بالهجرة، لايزالون محافظين على الطابع القومي بحرص وعناية، متمسكين
بجنسيتهم ولغتهم وأخلاقهم وعاداتهم وطريقة فهمهم معنى الحياة والمجتمع والعمل وما
يتصل بالمبادئ على ضوء الشعور القومي الكردي"(19).
ترك الكورد في لبنان انطباعات جيدة لدى الوسط الجديد
الذي انتقلوا إليه حديثاً، بدليل أن مصدراً لبنانياً وصفهم: "إن
الجالية الكردية في بيروت على قلتها ذات كيان محترم وطابع قومي صرف، يهمها أن تظهر
في محافلها واجتماعاتها العائلية وحفلاتها الرسمية واعيادها القومية، مظهراً كردياً
زاهياً، تغتذي الجالية في جوه بروحية العائلة الكردية الكبرى"(20).
وبالعودة إلى الأسباب التي دفعت العائلات الكوردية إلى
الاغتراب عن وطنها في بدايات القرن الفائت، التي قدرتها بعض الأوساط بأنها شكلت
نسبة بلغت نحو (80%) من مجموع المهاجرين الكورد، ندرك أن الأسباب السياسية القاهرة
تصدرت ما عداها من الأسباب الأخرى، لاسيما بعد اشتداد عود الدولة التركية تحت
زعامة مصطفى كمال أتاتورك وتوجيهه ضربات موجعة الى شخصيات الحركة القومية الكورية،
وإعدام الكثيرين منهم وإذاقة عموم أبناء الشعب الكوردي مرارة الظلم والغبن، الشعب
الذي وقع ضحية إيديولوجيات قمعية برع فيها الطورانيون الترك هدفت إلى اقتلاعه عن أرضه
ومناطقه التاريخية، فضلاً عن الذي يتصفح مرحلة الانتداب الفرنسي على لبنان والتي
قاربت ربع القرن، يلاحظ هدوءاً في العلاقات بين الدولة المنتدبة وبين لبنان، إذا
ما قيست هذه العلاقات بتلك التي كانت بين هذه الدولة المنتدبة نفسها وسوريا مثلا(21).
من اللافت أن تلك الموجة المهاجرة أعقبها نزوح عوائل
كوردية أخرى، إلى لبنان في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، عندما عزم بعض
الكورد من كوردستان - سوريا، الفرار من مناطقهم واللجوء إلى لبنان هرباً من
ممارسات السلطات السورية، بعد نجاح عملية الوحدة الاندماجية بين سوريا
ومصر(1958-1961) وظهور الجمهورية العربية المتحدة على الساحة السياسية، و التي لم
ينفك القائمون على سلطاتها في توجيه أصابع الاتهام إلى الكورد السوريين بأنهم
يقفون بالضد من جهود الوحدة العربية، لذا كان اتخاذ الإجراءات القاسية بحقهم لها
مبرراتها الموضوعية، من أولى ثمار تلك السياسة كان تضييق الخناق على الكورد والسعي
إلى محو هويتهم القومية وتطبيق سياسات التمييز القومي بحقهم، بالتزامن مع ارتفاع
الأصوات الداعية إلى تمجيد كل ما يتصل بالعربية وبالفكر العروبي(22).
شكل الكورد المهاجرون من كوردستان ـ
تركيا وإخوانهم المهاجرين من كوردستان – سوريا، حالة صحية وطبيعية في بلدهم الجديد ولم يسجل عنهم ميلهم إلى إحداث أية مشاكل للدولة اللبنانية، وبصدد ذلك كتب الدكتور أديب معوض "الكردي رغم تمسكه اليوم في حماسة بقوميته، يعيش في الوسط الذي لجأ إليه في لبنان... عيشة المسالم الذي يعرف جيداً وبصورة عملية كيف يتحاشى التعرض لما ليس بكردي من شؤون هذا الوسط، لذلك كانت سمعة هؤلاء الأكراد اللاجئين من أنصع ما يكون، إذ قلما يهتم المرء منهم لغير أعماله الخاصة التي تتعلق بأمور المعيشية التي تمس المجموع الكردي الحيوية"(23).
تعداد الكورد في لبنان:
رجحت تقديرات المتابعين للموضوع، على الرغم من عدم وجود إحصائيات
رسمية من شأنها أن تحدد أعدادهم بدقة، أن يكون التعداد العام للكورد في لبنان يبلغ
نحو (70) ألف ممن يحملون الجنسية اللبنانية، وضعف هذا الرقم ممن لايحملون الجنسية
اللبنانية(30). فيما قدر مصدر آخر أن
يكون عددهم بلغ أكثر من (100) ألف في بعض الأوقات قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى نحو
(30) ألف مقيم كوردي في لبنان نتيجة للهجرة التي بدأت مع الحرب الأهلية اللبنانية
وتكثفت مع الثمانينات (31)،
وتجدر الإشارة، إن مصدراً محايداً أشار إلى أعداد الكورد المتواجدين في بيروت
وحدها فترة الأربعينات قدر بنحو (5-6) الف كوردي الى جانب وجود اعداد اخرى في كل من مدن زحلة وطرابلس وعكار(32). وكان مصدر آخر قد ذكر إن أعدادهم بلغ
نحو (90) الف كوردي سنة 1983 وان معظمهم يقيم في بيروت وبعضهم في طرابلس والبقاع (33).
ومن المهم أن نشير هنا، أن (جمعية الأرز الرياضية الثقافية)، كانت قد أجرت إحصاء
لتبيان معرفة الأفراد الكورد الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات المجلس
النيابي اللبناني سنة 2009 فكانت النتيجة، زقاق البلاط (1374)، المرفا (1800)،
الباشورة (1374)، المصيطبة (3324)، دار المريسة (606)، ميناء الحصن (1011)،
المزرعة (2319)، أي أن مجموع الناخبين الذين يجوز لهم الإدلاء بأصواتهم من أبناء
الأسر الكوردية في لبنان في مدينة بيروت وحدها بلغ (22533) صوت كوردي(34).
وبخصوص الحياة الاقتصادية للكورد في
لبنان، اعترتها صعوبات جمة هي الأخرى نتج عنها حصر جهودهم في الأعمال البسيطة غير
المدرة للربح، مما أدى الى افتقار هذا الجانب المهم لأسباب الرقي والتطور، إسوة بباقي أبناء الطوائف اللبنانية الأخرى، فخلال أواسط القرن الماضي أشار مصدر لبناني إلى
حقيقة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية
للكورد نتيجة ممارستهم لأعمال شاقة حيث ذكر "الأكراد في عكار وطرابلس يشتغلون بحراثة الأرض في الدرجة الأولى
وبالتجارة في الدرجة الثانية، ومزاولة الصناعات الصغيرة، لاسيما صناعة الدباغة
التي مهروا فيها، ومن يعمل منهم في الحقل التجاري لا يخرجون عموماً عن كونهم من أصحاب
دكاكين اعتيادية، بينما هنالك عدد لابأس به من العمال الأكراد، خصوصاً من طبقة الحمالين
(العتالة)، وهي الأعمال الشاقة التي تتطلب قوة بدنية الأمر الذي غالباً ما يتوفر
في الفرد الكردي"(35).
الجدير بالذكر، إنه بحسب بحث ميداني أجري على أعداد من الكورد اللبنانيين،
لمعرفة نشاطاتهم الاقتصادية ورصد انعكاسات ذلك على ظروفهم المعيشية، لوحظ أن هناك إقبال
على الأعمال اليدوية (العتالة، أعمال البناء) عند الذكور، حيث بلغ نسبة العاملين
بهذين المجالين نحو (48%) من جملة اليد العاملة وارتفاعها عند الفئتين
العمريتين (15-19) و(20-24) الى نحو (60%)، وبالنسبة إلى الموظفين لقاء أجر شهري
بالحقول الخدمية المكتبية، الادارية والمصرفية فتصل إلى نسبة (32%) لمن هم دون سن
(44) ولا تتعدى (18%) لمن هم فوق هذا
السن، وإنّ اليد العاملة الكوردية تتوزع على فروع الأنشطة الرئيسية (83%) في قطاع
التجارة والخدمات، (17%) في قطاع الصناعة والحرف، (0،5%) في قطاع الزراعة(36).
وبالنسبة للإناث، فالوضع شبيه بما عليه وضع الذكور، حيث
تبلغ نسبة المشاركات منهم نحو (38%) من جملة القوى العاملة الكوردية اللبنانية(37). وكان
مصدر لبناني قد أشار إلى أن النسوة الكورد في لبنان ينصرفن إلى إشغال الصناعات
البسيطة مثل التخريم والتطريز والنقش على الأقمشة وأن أعمالهن يحظى بإعجاب واهتمام
الجميع(38).
المهم في الأمر، أن الكورد في لبنان انصرفوا في عمومهم إلى الأعمال التي لم تتعدى دائرة التجارة البسيطة، شأنهم في ذلك شأن السابقين من إخوانهم المهاجرين إلى لبنان، إلى جانب ممارسة بعض الصناعات الصغيرة وأعمال النقل الشاقة وغيرها من المهن التي لا تتطلب المهارة والمستوى العلمي المتقدم، إلا أن الوضع المعيشي للكثيرين منهم تبدل نحو الأحسن مؤخراً و وجد بينهم من أمتلك رؤوس أموال معقولة مقارنة بما سبق من العهود، نتيجة الانفراج الإيجابي الذي شمل ظروفهم الذاتية وأخرى تتعلق بالدولة اللبنانية وتحسن أدائها الاقتصادي، فضلاً عن الأموال التي يرسلها المهاجرون منهم من الدول الغربية إلى ذويهم(39).
أوضاع الكورد في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية:
ومن الجدير
بالذكر، بخصوص الوضع الاجتماعي للكورد في لبنان بصورة عامة، كان استمرار معاناتهم
من الظروف الأمنية القاهرة، ففي نيسان 1975 نشبت أحداث عين الرمانة الدامية في
بيروت بين المليشيات اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت بداية لحرب
دامية في لبنان، تحت حجة غطاء قوة الردع العربية،
تركت الحرب الأهلية اللبنانية آثارا سلبية على تطور الطبيعي للكورد اللبنانيين،
حيث لم يكن لديهم عموماً أسباب منطقية لدعم أي طرف من الأطراف المتنازعة في الحرب
الأهلية، بسبب عدم الاعتراف بمواطنيتهم وبالتالي فليس هناك ثمة أسباب للتورط في أحداثها،
غير أن ظروف وأحداث معينة ساهمت في تغيير الحالة منها، قيام قوات الكتائب
المارونية بنهب منطقة الكرنتينا/ المسلخ في كانون الثاني 1976 وكان مصير سكانها
الكورد إلى جانب الفلسطنيين والشيعة القتل أو الطرد، وتهديم دورهم ومساكنهم، وفرار
الأحياء الناجون إلى منطقة بيروت الجنوبية، كما أن تجمعات كوردية أُزيلتْ من
المناطق التي يسيطر عليها الموارنة في بيروت الشرقية، مما دفع الكثير من الكورد
اللبنانيين إلى الانضمام الى الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة كمال جنبلاط ذوي الأصول
الكوردية ولاعتقادهم أنهم سينعمون بالراحة إلى جانب العيش مع الدروز، وانضم آخرون إلى
صفوف حركة المرابطين السنة غير أنّهم صدموا من طريقة التعامل معهم بسبب كونهم من
غير العرب(24).
كما أن الحرب الأهلية
حصدت أرواح شخصيات عديدة من الأصول الكوردية كان منها اغتيال الوزير والشخصية
الوطنية المعروفة كمال جنبلاط في 16 آذار1977 عن طريق زرع قنبلة انفجرت عن بعد عند
نقطة تفتيش سورية أدت إلى انفجار سيارته وموته، كما تم اختطاف الشخصية المعروفة
(جميل محو) عن طريق نصب كمين له غرب بيروت واودع معتقل مزة في دمشق فترة السنتين(25).
ومن المهم الإشارة، إلى أن
مؤسسات كوردية خيرية لم تسلم كباقي مؤسسات الدولة من يد التخريب من ذلك، أن جريدة صوت
الكرد (دنكي كورد) لسان حال الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي) نشرت في
عددها (81) آب 1981، مقال تحت عنوان (عمل إجرامي ضد الجمعية الثقافية الاجتماعية
الكوردية في لبنان) أوردت فيه، ان عبوة ناسفة انفجرت في مقر الجمعية في بيروت في 9
حزيران 1981، على أيدي عصابة فاشية مأجورة حاقدة على نضال الوطنيين والديمقراطيين
من أجل حقوق المواطنة وممارسة حقوقهم الثقافية والاجتماعية(26).
وفي أعقاب الغزو الإسرائيلي لبيروت في
حزيران 1982 تعرض الكثيرون من الكورد إلى الترحيل والتهجير من مناطقهم والانتقال إلى
منطقة وادي البقاع وبعد تشكيل نظام كتائبي موال
للولايات المتحدة الأمريكية وسيطرته على الحكم بقيادة أمين جميل بدأت القوات
الحكومية المسيحية بالتضييق على الكورد وغيرهم من غير المرغوبين بهم في الضواحي
الجنوبية، عن طريق تجميعهم في أماكن محددة واعتقالهم وطردهم، وفي أواخر سنة 1983 كانت حركة الأمل الشيعة قامت هي الأخرى
بممارسة سطوتها على جنوب وغرب بيروت لمصلحة سوريا واقتلاع الكثير من العائلات
الكوردية من منازلها(27).
وقف الكورد إلى
جانب حلفائهم الدروز في وجه ممارسات حركة أمل الشيعية في بيروت الغربية نتيجة
المضايقات المتكررة،، وكان الصراع قد استمر إلى سنة 1987 تراجع فيها تعداد الكورد
اللبنانيين إلى درجة مرتفعة، وحتى بعد انسحاب المليشيات المتقاتلة وعودة الأمن
والنظام في لبنان تعرض الكورد كما في السابق إلى المضايقات وحالات الاعتقال
والمراقبة والاضطهاد المنظم من قبل القوات السورية التي أحكمت سيطرتها على البلاد
وحولتها إلى مناطق نفوذ لها(28).
كما أن المجتمع اللبناني شهد انقساما وشرخا منذ الحرب الأهلية
أدى إلى بروز خمس طبقات اجتماعية واضحة هي، النخبة الوطنية، الطبقة الراقية،
الطبقة الوسطى، الطبقة المتذبذبة بين العليا والدنيا، الطبقة الدنيا (السفلى)، شكل
معظم أبناء الأسر الكوردية جزءاً من الطبقة الأخيرة، نتيجة عدم امتلاك الأكثرية
الساحقة منهم للثروة أو أي عمل ثابت والحرمان من التعليم المهني والتقني(29).
ولان تلك الأحداث المقلقلة قد أثّرت على الظروف الحياتية والتعداد العام للكورد في لبنان والذين تأثروا بها إلى درجة كبيرة.
قضية التجنيس:
مهما
يكن من الأمر، فانه أثناء الحديث عن الظروف القاسية التي مر بها الكورد في لبنان لا يمكن إلا التطرق إلى آثار
المشكلة والمعضلة التي أرّقتهم لعقود، وهي قضية حرمان الغالبية العظمى من أبناء الأسر
الكوردية في لبنان، من حق امتلاك الجنسية اللبنانية التي شكلت أزمة حياة بالنسبة إلى
القادة الكورد في البلاد وجعلت أولئك المحرومين يعانون هماً لم يجدوا بداً إلا أن يعايشوه
لفترة طويلة نسبياً، حيث لعبت عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية متداخلة في تفاقم
المشكلة واستمرارها دون حل، مانعة الكورد اللبنانيين من الاندماج الكلي بالمجتمع
والوسط اللبناني، إلى جانب عوامل أخرى منها افتقارهم إلى المهارات المهنية ونسبة
الأمية العالية والشعور بعدم الأمان والعزلة وبؤس الحالة المادية التي وجدوا أنفسهم
فيها(40).
الجدير بالذكر، إن أولى خطوات عملية منح
الكورد اللبنانيين الجنسية كانت قد بدأت في 15 كانون الثاني 1932 بموجب المرسوم رقم (8827)، عندما تمّ تسجيل
(35) عائلة كوردية في النفوس اللبنانية، غير أن معظم العوائل الكوردية امتنعت عن
التقدم للحصول على الجنسية لعوامل نفسية يأتي في مقدمتها الخشية من الخدمة
العسكرية الإجبارية، لاسيما أن الكثيرين منهم كانوا قد خدموا في الجيش التركي
لسنوات طويلة وذاقوا المرارة خلالها(41).
وبعد أن كان
من الممكن الحصول على الجنسية اللبنانية بعد خمس سنوات من الإقامة فيها، صدر مرسوم
تشريعي آخر سنة 1943(42). جعل
الحصول على الجنسية اللبنانية ضرباً من المستحيل من الناحية النظرية، وبعد مرحلة
الاستقلال لم يبادر أي زعيم لبناني إلى مساعدة الكورد للحصول على الجنسية حتى لا
يمس بالتوازن الطائفي(43).
حاول بعض الرهبان
الموارنة تشجيع البسطاء من الكورد كي
يدخلوا مذهبهم المسيحي الخاص عن طريق الوعود بمنحهم الجنسية اللبنانية وبعد أن
نجحت مساعيهم، أوصل أرباب عمل هؤلاء الفقراء من الكورد في سوق الخضار، الأمر إلى رئيس
الوزراء سامي الصلح الذي انتبه إلى خطورة القضية وطالب بتجنيس الكورد كمسلمين سنة
في عهد الرئيس بشار الخوري سنة 1948، حيث حصلت (85) عائلة كوردية على الجنسية(44).
كانت
المحطة الأبرز في طريق الحصول على الجنسية، عندما منحت محكمة منطقة جونيه في الأول
من شباط 1956 (17) عائلة كوردية الجنسية اللبنانية، كما أن السلطات منحت أكثر من
(150) عائلة الجنسية سنة 1957 في عهد الرئيس كميل شمعون، بعد تلك الخطوة أقفل ملف
الجنسية وبقي الوضع على ما كان عليه، حتى مجيء وزير الداخلية كمال جنبلاط، حيث سمح
للكورد أن يحملوا وثيقة كتب عليها (جنسية غير معينة) في 4 تشرين الثاني 1961،
يجددها الأمن العام كل ثلاث سنوات، استبدلت بوثيقة أخرى هي (قيد الدرس) لاحقاً
وبقي الوضع على ما عليه حتى صدور مرسوم التجنيس خلال التسعينات(45).
بناء على
ما سبق، كان لترك بقاء الأكثرية الساحقة من الكورد مجردين من الجنسية اللبنانية آثار
بالغة السوء على حياتهم اليومية منها، أن معاملاتهم في دوائر الحكومة كانت تهمل
ولا يلقَ لها بال مما يحرمهم من التعليم في المدارس والجامعات الحكومية وكذلك
حرمانهم من التوظيف في دوائر الدولة الأمر الذي زاد من نسبة الجهل والتخلف في
صفوفهم(46).
وعلى الرغم من محاولات
الكورد المتكررة لحل المشكلة إلا أن جهودهم باءت بالفشل فمثلاً أثناء عهد حكومة
عمر كرامي، طلب رئيس حزب رزكاري الكوردي اللبناني منه أن يساعد الكورد لحل مشكلتهم
على اعتبار أنه مسلم سني مثل غالبية الكورد فكان جوابه أن نهره وأجبره على السكوت
مهدداً إياه أن لا يعود إلى ذاك الكلام مرة أخرى(47).
وفي الحقيقة أن أي زعيم
لبناني لم يكن راغباً في مساندة الكورد للحصول على الجنسية بسبب حساسية قضية
التوازن الطائفي في لبنان، على الرغم من ذلك نجح عدد محدود منهم من الحصول على
الجنسية اللبنانية من خلال النفوذ والعلاقات الشخصية والعلاقات الشخصية ففي سنة
1982 حصل نحو (20%) من كورد لبنان على الجنسية في حين بقي نحو(10%) تقريباً بدون أية
هوية حيث سجلوا في عداد الفلسطينيين أو السوريين، وحمل نحو(70%) هويات" قيد
الدرس"(48).
مهما
يكن، فقد صدر مرسوم التجنيس سنة 1994 برعاية واضحة من رئيس الوزراء الأسبق رفيق
الحريري، الذي أخذ على عاتقه رعاية المؤسسات والحفلات القومية الكوردية. وتمكنت
نحو (12) ألف عائلة كوردية من الحصول على ذاك الحق المصان دستوريا(49).
المهم في الأمر أنّ الحكومة
اللبنانية كانت قد عزمت على حل بعض المشكلات السكانية القائمة سنة 1994 فدعت
المحرومين من الجنسية إلى ملء الطلبات وعلى الرغم من أن الكثيرين من الكورد لم يكن
بمقدورهم دفع تكاليف الطلب وعدم الإيمان بجدوى المرسوم، فقد تحقق المراد وحصل
الكثير من العوائل الكوردية على الجنسية(50).
أكد وزير الداخلية اللبناني بشارة
مرهج خلال مؤتمره الصحفي، إنه جرى إعداد مرسوم بأسماء المستحقين الذين تتوفر فيهم
شروط منحهم الجنسية وفق الأحكام والقوانين المرعية التزاما بوثيقة الاتفاق الوطني
وإن الحرمان من الجنسية كانت مشكلة متفاقمة عانى الكثير من اللبنانيين من استمرارها
وبقيت مدة طويلة مستعصية على أي حل نتيجة تراكم الأخطاء، وتجدر الإشارة هنا أن أطراف
الحركة الكوردية في كوردستان - سوريا أبهجهم حصول إخوانهم الكورد في لبنان على
الجنسية حيث ورد في جريدة صوت الكرد (دنكي كورد)، العددان (236-237) حزيران،
تموز1994 ما يشير إلى ذلك حيث ورد "اننا في الوقت الذي نحيي فيه حكومة لبنان
على هذا الانجاز التاريخي الذي يؤكد على أصالة لبنان وكونه بلد للتآخي والتآلف
اللبنانيين مختلف انتماءاتهم، فإنها تتقدم بأحر التهاني لعشرات الألوف من الأسر
اللبنانية التي نالت حقها الطبيعي في التمتع بجنسية بلدهم"(51).
كما جاء في الجريدة نفسها، مقال كان في الحقيقة عبارة عن بلاغ صادر عن اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي) ورد فيه، أن (البارتي) في سوريا تلقّى بارتياح نبأ صدور مرسوم جمهوري في لبنان يقضي بمنح الجنسية اللبنانية لكل مقيد باسم (جنسية قيد الدرس) وإنه بموجب المرسوم فإنّ آلاف من الكورد اللبنانيين سوف يحصلون على جنسيتهم الوطنية اللبنانية، وبتلك الخطوة الإنسانية الوطنية حلت الحكومة اللبنانية مشكلة كانت تعاني منها الآلاف من العوائل اللبنانية من مختلف القوميات وإن اللجنة المركزية للحزب حييت الخطوة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، وإنها تدعو الحكومة السورية إلى أن تحذو حذو الحكومة اللبنانية وتحل مشكلة ضحايا الإحصاء الذي جرى سنة 1962 (52).
الاستنتاجات
من خلال
دراستنا "الكـورد في لبنـان التكوين
والنشاط الاجتماعي 1914 ـ 1994"، توصلنا إلى استنتاجات عدة، تتمثل
في أن الحياة الاجتماعية الكوردية في لبنان مرّت بمحطات متنوعة، فرضتها جملة من
الظروف المعقدة، أفرزت مجتمعاً كوردياً متكاملاً في لبنان يعيش إلى الجوار من
مجتمعات مختلفة تكون في مجملها الطيف اللبناني بمعناه الواسع في نهاية المطاف، وإن
أبرز معضلة اعترضت طريق اندماج الكورد في محيطهم الجديد كان إغلاق السلطات لباب حق
اكتساب الجنسية اللبنانية لعهود، على الرغم من بعض الاستثناءات التي كانت في
معظمها مبادرات شخصية ليس إلا، إلى أن سجل عقد التسعينات بداية انفراج الأزمة
بشكلها القانوني الصحيح مما وفر الفرصة لإزالة ما لحق بالكورد من الغبن الاجتماعي
و المعيشي والسياسي، فضلاً عن تأثر المجتمع الكوردي بالأحداث والتطورات الخانقة
التي شهدتها البلاد ممّا ساهم في تحجيم دورهم الاجتماعي وحجب فعالياتهم بسبب الأعمال
الدموية والاضطرابات الحادة وحوادث الحرب الأهلية المفجعة ومما نشرته من الخراب
لحق بالكورد اللبنانيين إسوة بباقي فئات المجتمع اللبناني.
يُتّبع في العدد القادم
(1) د. عمر
عبدالعزيز عمر، تاريخ لبنان الحديث 1516ـ 1915، (بيروت،2004)، ص5.
(2) من المعروف أن
فرنسا احتلت لبنان سنة 1918 بعد انهيار الدولة العثمانية وفي أعقاب مؤتمر سان ريمو
تم إعلان ميلاد دولة لبنان ومن الناحية القانونية حيث سميت بـ"دولة لبنان
الكبير"وفي سنة 1924 أصدر المفوض السامي الفرنسي قراراً بإنشاء مجلس شورى
يكون مقره بيروت، للمزيد من التفاصيل ينظر: د. عبدالغني بسيوني عبدالله، القضاء
الاداري اللبناني، (بيروت، 2001)، ص
93.
(3)
Farah Wajih Kawthrani’ The interplay of Clientelism
and Ethnic entity in pluralist state ; the case of the Kurdish community in Lebanon ; Thesis
submitted in partialfulfillim of the requirements for the degree of Master of
Arts of the Department of Social and Behavioral Sciences of the faculty of Arts
and science sat the American University of Beirut ; p 68.
(2)هاشم
دفتر دار المدني، محمد علي الزعبي، الإسلام والمسيحية في لبنان ( بيروت، ب.ت)، ص 86؛ صلاح عصام أبو شقرا، الأكراد شعب معاناة، ( بيروت،
1999)، ص49.
(3)
إيلي بدران، التجنيس ونقل
النفوس وجهان لعملة واحدة، مقال منشور في موقع جريدة ابن البلد، 14آذار2008، ص1.
(4) منذر الموصلي،
عرب واكراد رؤية عربية للقضية الكردية،(بيروت، 1986)، ص494ـ495؛ هاشم
دفتردارالمدني، محمد علي الزعبي، المصدر السابق، ص86 ؛ صلاح عصام ابو شقرا،المصدر السابق، ص49.
(5) تنحدر عائلة
جانبلاط من أصل كوردي وتعود الى مؤسسها(جانبولاد بك) الذي دخل في خدمة الأيوبيين وأخلص
لهم، حيث توارثت الاسرة الحكم في كلس شمال حلب ولم يلبث السلطان أن عين أحد
الاحفاد وهو الأمير حسين اميرا للامارة على إيالة حلب، للتفاصيل ينظر: منذر
الموصلي، المصدرالسابق، ص 494ـ495.
(6) د. اديب معوض،
الاكراد في سوريا ولبنان بحث اجتماعي نشر تباعا في النشرة الامريكية، اعاد
مركزالدراسات وحفظ الوثائق/ جامعة دهوك نشره، ( دهوك، 2008)، 28؛ د. محمد علي صويركي، المصدر السابق.
(7) د. محمد علي صويركي، كورد لبنان، مجلة سردم
العربي،العدد(12)، السنة الثالثة، السليمانية، ربيع 2006، ص 54ـ 55.
(8) د. اديب معوض، المصدر السابق، ص81–86.
(9) المصدر نفسه، ص89-91.
(10) المصدر نفسه،
ص96-97.
(11) ديفيد مكدول،
تاريخ الأكراد الحديث، ت: راج ال محمد، (بيروت، 2004)، ص 719؛ جهاد بزي، الأكراد أصدقاء
الجبال في ترحالهم الطويل، مقال منشور في موقع: بابنيوز. نت، 7 اب 2009، ص1.
(12) صلاح عصام ابو
شقرا، المصدر السابق، ص54.
(13) هاشم الدفتردار
المدني، محمد علي الزعبي، المصدر السابق، ص 54 ؛ رمضان فتاح، جريدة المستقبل،
العدد (2592)، 2 نيسان 2007. المعروف ان فرنسا احتلت لبنان سنة 1918 بهد انهيار
الدولة العثمانية وفي اعقاب مؤتمر سان ريمو تم اعلان ميلاد دولة لبنان ومن الناحية
القانونية حيث سميت بدولة لبنان الكبير.
(14) د. علي معطي،
تاريخ لبنان السياسي والاجتماعي دراسة في العلاقات العربية التركية 1908 ـ 1918 (بيروت،
1992) ؛ يوسف حتي، عبدالكريم محو، الجالية الكوردية في لبنان، بحث منشور على موقع Democratic
Party Lebanon: April: 2003 www.Kurdish
(15) درية عوني،
الاكراد،( القاهرة، 1992)، ص 234.
(17) د. محمد علي
صويركي، المصدر السابق، ص 56.
(18) المصدر نفسه،
ص56.
(19) د. اديب معوض،
المصدر السابق، ص26-27.
(20) المصدر نفسه،
ص31-32.
(21) د.هاشم ياغي، ملامح
المجتمع اللبناني الحديث،(بيروت، 1964)، ص52 ؛ تلفزيون كوردستان، برنامج عن تاريخ كورد لبنان وأوضاعهم
المعيشية، الأربعاء 4 آب 2009.
(22) للتفاصيل
ينظر:علي صالح ميراني، الحركة القومية الكوردية في سوريا 1946-1970، (اربيل، 2004)
؛ محمد ملا احمد، صفحات من تاريخ حركة التحرر الوطني الكردي في سورية، ط2،(اربيل،
2001) ؛ عبدالحميد درويش، اضواء على الحركة الكردية في سوريا أحداث فترة 1956 ـ 1983،
ط2(السليمانية، 2003).
(23) د. اديب معوض،
المصدر السابق، ص33.
(30) عبدالباسط سيدا،
الجالية الكردية في لبنان المعاناة المستمرة، مقال منشور في موقع عامودا. كوم،
2007، ص1.
(31) ديفيد مكدول،
المصدر السابق، 722؛ جهاد بزي، المصدر السابق،ص2.
(32) د. اديب معوض،
المصدر السابق، ص57.
(33) درية عوني،
المصدر السابق، ص234.
(34) للتفاصيل ينظر:
جريدة المستقبل، العدد (3189)، 14 كانون الثاني 2009.
(35) نقلا عن :
د.اديب معوض، المصدر السابق، ص29.
(36) صلاح عصام ابو
شقرا، المصدر السابق، ص95-102.
(37) المصدر نفسه،
ص103.
(38) د. اديب معوض،
المصدر السابق، ص35.
(39) تلفزيون كوردستان، برنامج عن تاريخ كورد لبنان وأوضاعهم
المعيشية، الأربعاء 4 آب 2009؛ جهاد بزي، المصدر السابق،ص2.
(24) ديفيد مكدول،
المصدر السابق، ص 721. للتفاصيل عن أحداث ومجريات الحرب الاهلية في لبنان
ينظر:لوسيان بيترلان، الحروب والسلام في الشرق الاوسط حافظ الاسد والتحديات الثلاث
لبنان ـ فلسطين ـ الخليج، ت: د.محمد عرب صاصيلا، ( دمشق، 1998)، ص24ـ 34.
(25) يوسف حتي،
عبدالكريم محو، المصدر السابق، ص2.
(26) جريدة دنكى
كورد، العدد (81)، اب 1981.
(27) ديفيد مكدول،
المصدر السابق، ص721.
(28) المصدرنفسه،
ص722.
(29) فرح وجيه
كوثراني، لقمان ابراهيم محو، الجالية الكوردية في لبنان، ت: فاخر عمر محمد، من
منشورات مركز الدراسات الكوردية وحفظ الوثائق/جامعة دهوك، النشرة رقم(14) ،( دهوك،
200)، ص10.
(40) فرح وجيه
كوثراني، لقمان ابراهيم محو، المصدر السابق، ص7؛ للتفاصيل عن قضايا التجنيس في
لبنان ينظر: د. عكاشة محمد عبدالعال، احكام الجنسية اللبنانية و مركز الاجانب ،
ج1، الجنسية اللبنانية ، (بيروت، 1999)؛ د. هاشم علي صادق، دروس في القانون الدولي
الخاص الجنسية اللبنانية، ( بيروت ، ب.ت).
(41)
Farah Wajih Kawthrani: Ibid p. 72.
(42) كانت أعظم حركة
ظهرت ضد الوجود الفرنسي في لبنان الانتفاضة الاستقلالية التي لعبت دورها الحاسم في
الخروج بالبلاد الى مرحلة الاستقلال سنة 1943، للمزيد من التفاصيل ينظر: د. هاشم
ياغي، المصدر السابق،ص 58.
(44) ايلي بدران، المصدر السابق، ص2.
(45) د.محمد علي
صويركي، الكرد في المجتمع اللبناني، الحلقة الرابعة، مقال منشور في كلكامش. نت،
2009،ص1.
(47) رمضان فتاح، اكراد لبنان تحت سقف الشرعية فمتى ينصفون،
جريدة المستقبل، العدد 2592)، 2نيسان2007، ص1.
(48) ديفيد مكدول،
المصدر السابق، ص 724؛ لوسيان بيترلان، المصدر السابق، ص22.
(49) فداء عيتاني، الاكراد
يذوبون في لبنان الذي اضطهدهم، مقال منشور في موقع جريدة الاخبار، 8 آب 2009،ص1.
(50) ديفيد مكدول،
المصدر السابق، ص 724.
(51) جريدة (دنكى كورد)، العددان (236-237) حزيران، تموز1994.
(52) المصدر نفسه.
Abstract
The
research (Kurds in Lebanon the formation and origin 1914- 1994) show to us that
Kurdish families which migrate to Lebanon tromp far periods had kept its
historical root but they had suffered sometimes from the social injustice in
the Lebanese state such as deprivation from the Lebanese nationality till the
issuance of the legislative decree in 1994 which imposed in donating many of
the Lebanese nationality.
ملاحظة نترك هذا البحث للعدد القادم لم
يتم تصحيحه وتدقيقه
الكورد في لبنـان
نشاطهـم السـياسي والثقافـي
1940 ـ 2009
الجزء الثاني
بينت
الدراسة مراحل تطور النشاط السياسي والثقافي الكوردي في لبنان، وابرزت دور
التنظيمات الكوردية ذات المضامين السياسية والثقافية، ومساهمتها في انضاج الوعي
القومي، واشعار الكورد بتميز خصوصية هويتهم القومية، بالرغم من ذلك عانى النشاط
السياسي والثقافي في المحصلة جملة مساوىء من أبرزها، أن أهداف غالبية الجمعيات
والتنظيمات الكوردية اللبنانية التي تأسست نتيجة عوامل ذاتية واقليمية وكوردستانية،
كانت محدودة النطاق وعملت معظمها على تلبية مصالح الافراد المنضوين تحت شعاراتها،
اكثر من الاهتمام بمصالح المجتمع والحالة الكوردية كوحدة قائمة بحد ذاتها، وفقدت
بذلك مقومات استمراريتها، و ظهور عدد غير القليل من الجمعيات اذا ما قورن الاعداد
التي وصلت اليها بتعداد الكورد اللبنانيين وامكاناتهم المادية المتواضعة، كما يمكن
ملاحظة افتقار التنظيمات الكوردية ـ كما سيمر معنا لاحقا ـ الى الرؤية الموحدة من
النواحي التنظيمية والعملية، وسيادة النظرة الفردية وعدم التنسيق المشترك فيما
بينها بما يخدم مصالح الكورد اللبنانيين بالدرجة الاساس.
المقدمـة:
ساهمت عوامل مختلفة في
اختيار الكتابة عن النشاط السياسي والثقافي للكورد في لبنان، ياتي في مقدمتها عدم
ايلاء الاهتمام الكافي من قبل الباحثين، باستثناء البعض الذي يعد على اصابع اليد
الواحدة امثال الدكتور اديب معوض، احمد محمد احمد، فرح وجيه كوثراني، لقمان محو، و
عصام صلاح ابو شقرا بالكتابة عن تاريخ الكورد في لبنان ودراسة اوضاعهم المعيشية
وشؤونهم والسياسية والثقافية بالشكل المطلوب، ويبدو التقصير من قبل الكتاب الكورد
في الاجزاء الاخرى من كوردستان واضحا بشكل خاص، على الرغم من وجود كورد لبنان في
بلد عربي قريب، ومعايشتهم لتطورات سياسية وثقافية واضحة في مراحل تاريخهم المعاصر،
حيث دفعهتم الظروف الى التاثر بالتقلبات والتجاذبات السياسية التي شهدتها الساحة
اللبنانية بشكل عام، فضلا عن خدمة الكورد اللبنانيين القضية الكوردية بصورة عامة،
بالرغم من امكاناتهم المادية والمعيشية المتواضعة، ويظهر ذلك عبر مراحل مهمة من
تطور الحركة القومية الكوردية بشكلها الاوسع، كما تم اختيار الفترة الزمنية للبحث،
لان بدايات النشاط السياسي والثقافي للكورد اللبنانيين تم في الاربعينات من القرن
المنصرم نتيجة جملة عوامل متفاعلة، كما شهد الكورد تطورات ملحوظة في بداية الالفية
الثالثة، اتجهت نحو تاطير النشاط الكوردي في لبنان بغية الاستفادة من الاستحقاقات
المقبلة.
تمهيد:
تميز التطور السياسي والثقافي المعاصر للكورد
بعد الهجرة المكثفة الى لبنان بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى (1914 ـ 1918)،
شأن الكورد الموجود في المنافي، بخصوصية معقدة واستقطاب حاد نتيجة للبنية
الاجتماعية والاقتصادية المعقدة، والتمايز الشديد بين السكان الكورد
والمواطنيين اللبنانيين من حيث مستوى الدخول ونوعية المعيشة، والتفاوت الكبير في
تطور مناطق تواجد الكورد مقارنة مع مناطق سكنى ابناء
المكونات الاخرى.
تطورت الظروف السياسية
والثقافية الكوردية في لبنان الحديث إلى درجة معقولة تحت تأثير التنظيم التقليدي
المتميز للمجتمع، الأمر الذي تجلى في تشابك البنى الطبقية المعاصرة مع المؤسسات التقليدية مثل" الأسرة الكبيرة
والعشيرة
"،
مما ساهم في خلق تناقضات حادة بين الميل نحو تكوين مجتمع كوردي موحد وجمود
عدد كبير من القوالب الاجتماعية التي عرقلت أية محاولات للتجديد لأنها رات فيها
خطراً على الأصالة القومية، ومارست تأثيراً واضحا على مسيرة التطور الاجتماعي
والسياسي للكورد اللبنانيين بما يتجاوب مع الظروف الاجتماعية ومزاياها وحاجاتها،
فالمتعارف عليه أن نقطة الانطلاق للتطور السياسي الحديث للكورد في لبنان
هي تخوم الثلاثينات والاربعينات من قرن العشرين عندما ابتدأت عملية التغيير في
المجتمع
الكوردي التقليدي واسفرت عن نشوء أولى المؤسسات
الاجتماعية والسياسية العصرية وتطورت إلى جمعيات ومنظمات فيما بعد .
نشـوء الوعي
السياسي والثقافي الكوردي في لبنان 1940 ـ 1960:
من المهم الاشارة الى الدور الملحوظ
الذي قام به الشخصية الكوردية المعروفة وسليل العائلة البدرخانية الدكتور كاميران
بدرخان بك (1895-1978)(1)، عند الحديث عن
تفاصيل نشوء الفعاليات الثقافية والسياسية التي قام بها الكورد في لبنان، ويتجلى
ذلك الدور في تحفيز الكورد للاهتمام بحقل التعليم والتشجيع من اجل الدخول في
النشاطات الاجتماعية والسياسية للبلاد، وكان الدكتور اديب معوض الذي يعد من اوائل
من كتب عن الكورد اللبنانيين(2) قد اشار
الى هذه الحقيقة في وقت مبكر بقوله "هناك طبقة من اللاجئين ذات ثقافة عالية
تتمثل لنا في بعضهم من ارقى وادق ما تكون الثقافات العصرية امثال الدكتور
بدرخان" وذكر في موضع اخر الى تشكل ظاهرة ثقافية فنية كوردية اواسط
الاربعينات في لبنان نتيجة جهود المذكور اعلاه بقوله"ان منهم لاسيما في
العاصمة فريقا مثقفا في الاداب والفنون الكردية، طالما عرف الجمهور اللبناني من
اثارها نماذج رائعة الجمال الفني خصوصا لما كانت اذاعة راديو الشرق تتسع لاتحافنا
به، كان يعزفها ويغنيها الفنانون الاكراد"(3).
فمن اللافت، ان الدكتور كاميران بدرخان
بك كان قد عمل بحلول سنة 1940، على تلقين الكورد اللبنانيين قواعد اللغة الكوردية
واصولها في معهد(اللايبك) ذي الشهرة الواسعة، في مسعى تنويري نهضوي بعد نيله شهادة
الدكتوراة في 24 شباط 1926 من جامعة (لاينزيك) الالمانية، متوجها الى بيروت
لممارسة مهنة المحاماة، والعمل على تشجيع الكورد في لبنان على الانخراط في شؤون
الحياة العامة وبعد مغادرته المانيا، واصل الدكتور كاميران بدرخان بك جهوده
التثقيفية بعد انقطاع اضطراري، مشاركا في البث الاذاعي (القسم الكوردي) في اذاعة
الشرق الاوسط في بيروت التي تاسست في آذار 1941، كما نشر بعض كتبه في مطعبة (يوسف
سليم الصقيلي) الكائنة في حي زقاق البلاط في بيروت، وافتتح مدرسة لتعليم اللغة
الكوردية في الحي المذكور واصدر جريدة (روَذا نوَ) الاسبوعية بين السنوات (1943 -
1946) وبقي مداوما على راس عمله الى سنة 1947، حيث سافر بعدها الى فرنسا(4).
وصفت جهود الدكتور كاميران بدرخان بك
من قبل مصدر معاصر له، على انها كانت جهود متميزة، بسبب خلقه حركة ثقافية كوردية
في بيروت استرعت الانتباه، فالى جانب ما اعتاد عليه من بذل المساعي المتنوعة في
سبيل الثقافة الكوردية، نشر التعليم وحارب الامية بين ابناء جلدته، وخصص غرفتين من
بناية (الليسيه) الفرنسية ليجمع فيها الكورد الاميين كل مساء ويلقي عليهم دروسا في
اصول اللغة الكوردية، وافتتح مدرسة خاصة بحي المصيطبة خدمت الكورد اللبنانيين
ثقافيا(5).
كما لا يمكن إغفال تأثير عوامل أخرى
ساهمت في إشعار الكورد في لبنان بضرورة العمل على تكوين تنظيمات اجتماعية وسياسية
للاهتمام بأوضاعهم، منها دور التطورات التي شهدتها ساحة الكوردية في كل من سوريا
والعراق، وانعكاساتها في دفع عجلة الوعي القومي الكوردي للكورد في لبنان نحو
الامام في فترة نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن المنصرم، فبعد انجاز
مهمة الوحدة السورية ـ المصرية (1958ـ1961) وظهور الجمهورية العربية المتحدة، شهد
الكورد السوريون مزيدا من الغبن الذي لحق بهم على يد سلطات الوحدة في الاقليم
السوري، نتيجة رواج الافكار القومية العربية الى درجة كبيرة في الاوساط العربية (6).
وفي خط مواز، كان لتاسيس الحزب
الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي)، الذي تأسس في 14 حزيران 1957 كمدافع عن
حقوق الكورد في سوريا على يد ثلة من القوميين الكورد، ممن تعرضوا للاعتقال
العشوائي في آب1960، الدور الملحوظ في زيادة احساس الكورد اللبنانيين بتميزهم
القومي عن بقية مكونات المجتمع اللبناني، وبدا ذلك واضحا بعد هجرة اعضاء من الحزب
واضطراهم اللجوء الى لبنان هربا من ممارسات السلطات السورية غير القانونية، ومن
جهة اخرى عرفت كوردستان - العراق زخما قويا في مجال الدعوة الى الحقوق الكوردية،
بعد عودة ملا مصطفى البارزاني اثر نجاح ثورة 14 تموز 1958 وصدور الدستور العراقي
واعترافه بان العراق يتكون من قومتيتن العربية والكوردية، واندلاع ثورة 11 آيلول
1961 الكوردية فيما بعد، نتيجة عوامل عدة بقيادة ملا مصطفى البارزاني، والتي
تناولت الصحف العالمية واللبنانية اخبارها بمزيد من الاهتمام، وبسبب تاكيدها على
عزم الكورد استحصال حقوفهم القومية، شعر الكورد اللبنانيون بضرورة ترتيب اوضاعهم
الداخلية وتقديم صورة جيدة عنهم لاخوانهم في كوردستان، بغية خدمة الثورة الكوردية
ومصالح اخوانهم الكورد في الاجزاء الاخرى وجعل بيروت منبرا اعلاميا لاخبار الثورة
نتيجة الحرية الاعلامية المتوفرة فيها (7).
فضلا عم ماسبق، اشار مصدر مطلع الى
وجود عامل مهم اخر ساعد في بلورة النشاط السياسي لدى الكورد لبنان، يتمثل
بالتاثيرات التي تركتها الاوضاع العامة على الصعيد اللبناني، بعد منح الجنسية
اللبنانية لعدد من العوائل الكوردية في فترات مختلفة، الامر الذي ساعد على مشاركة
الكورد في الانتخابات اللبنانية، ورسوخ القناعة والرغبة الملحة لانشاء تنظيمات
وجمعيات خاصة بهم(8).
التنظيمـات الكوردية في لبنان خلال الفترة 1960
ـ 1970:
لم يمتلك الكورد في لبنان ـ مع كل ما
سبق قوله ـ الوعي القومي الكافي الذي يخولهم من متابعة الاحداث والتطورات
الاقليمية التي اسفرت الى النزوح عن وطنهم الام والتوجه نحو بلاد الاغتراب بالشكل
المطلوب، الرغم الظروف المعيشية الصعبة التي عاشوها قبل فترة الستينات من القرن
الفائت، لجملة من الاسباب منها عدم تبلور اي افق سياسي مستقل بدءا من هجرتهم،
نتيجة التركيبة الاجتماعية التي وجدوا انفسهم مقيدين بقواعدها والظروف الاقتصادية
الصعبة ونمط تفكيرهم الذي تحكم فيه الافق العشائري الضيق، الا ان تحركا ظهر على
السطح كان من نتائجه المهمة فكرة وجوب انشاء عدة جمعيات اجتماعية ثقافية سياسية
رياضية، بغية الاهتمام بمصالح الكورد اللبنانيين بشكل اكثر جدية من ابرزها(9):
ـ جمعيـة وفد الروضـة
تاسست جمعية وفد الروضة سنة 1960، من
قبل اعضاء من اسرة (اومري) الكوردية بالدرجة الاولى، بعد وصولها لبنان خلال فترة
الاربعينات، وعرف عن الجمعية تبنيها مجموعة من المؤسسات الاجتماعية هدفت الى تامين
الحاجات الاساسية اليومية الملحة للكورد اللبنانيين، من خلال امتلاك مسجد ومستوصف
وفر الخدمة لنحو (200) مريض في الشهر، كما ان الجمعية امتلكت مدرسة ثانوية باسم
مدرسة (الايمان) ضمت اكثر من (500) طالب، واكد القائمون على (جمعية وفد الروضة)
انها تضم نحو (6000) منتسب للجمعية معظمهم من اسرة (اومري)، كما عرف عن الجمعية
امتلاكها لعلاقات متميزة مع اطراف اسلامية سنية في لبنان مثل (الجماعة الاسلامية،
المجلس الاسلامي الاعلى)، مما يفسر امر حصولها على الدعم والمساندة لتمويل
مشاريعها الطبية والتربوية بين الاوساط الكوردية(10).
ـ الجمعيـة
الخيرية الكوردية اللبنانية
ظهرت الجمعية الخيرية الكوردية
اللبنانية في 18 اذار سنة 1963 تحت الرقم (893)، وابرز المؤسسين كان كل من (محمد
سروخان ملا، حسن ابراهيم ملا، فرح علي احمد، شيخو محمود حسين، اسماعيل حسين ملا،
واحمد ابراهيم ملا)، وتراسها (داود محو)، الذي كان وراء افتتاح مقر الجمعية في
منطقة البسطاني في بيروت فور الاعلان عن تاسيسها(11).
ذكرت مصادر الجمعية الاعلامية، ان
الباعث وراء انشاءها، ان قسما من المثقفين الكورد قد ادركوا ضرورة ايجاد مؤسسة
تجمع الكورد اللبنانيين وترعى شؤونهم الامر الذي ادى تاسيس (الجمعية الخيرية
الكوردية اللبنانية) في ايلول 1963 بعد ان اراد مؤسسوها ان تكون كوردية الاصل(12).
تجدر الاشارة انه ورد في القانون
الاساسي للجمعية، الذي ضم مجموعة من المواد، ماهية عمل الجمعية المؤسساتي الخيري،
ففي المادة (1) منها، ورد ان (الجمعية الخيرية الكوردية اللبنانية) مقرها
الجمهورية اللبنانية وانها غير سياسية ولاتتوخى الربح المادي، والمادة (2) اوضحت
ان مقر الجمعية يقع في مدينة بيروت، واوجزت المادة (3)، اهداف الجمعية في توطيد
اواصر الصداقة بين الشباب الكورد اللبناني والكوردي المقيم، ونشر الخدمات الخيرية
الاجتماعية العامة، ونشر العلم والثقافة بين كورد لبنان، اما المادة (4) فاشارت ان
مالية الجمعية تتكون من اشتراكات الاعضاء، والمساعدات الحكومية، والتبرعات
والهبات، واقامة الحفلات الخيرية الثقافية والفنية والرياضية، في حين كرست المادة
(5) لتبين هيكلية الجمعية والاشارة الى انها تتالفت من هيئتين عامة واخرى ادارية،
وخصصت المادة (7) لشرح شروط الانتساب لعضوية الجمعية وانه يشترط ان يكون المتقدم
لبنانيا او مقيما في لبنان وان يكون قد اتم العشرين من عمره(13).
برز النشاط الاجتماعي للجمعية فور
الاعلان عنها بعد الترخيص الذي حصلت عليه اثناء فترة وجود كمال جنبلاط على راس
وزارة الداخلية اللبنانية، حيث كان الالتفاف الجماهيري الكوردي اللبناني حولها
ملحوظا، فبدات عملها الخيري بمساعدة ابناء الاسر الكوردية من النواحي الثقافية
والاجتماعية، من ابرز اعمالها، كان افتتاح دورات تعليم اللغة الكوردية وتعليم
الاطفال في لبنان لغتهم الام الى جانب القيام باحتفالات اعياد نوروز القومية،
وتقديم الدعم والمعونة الطبية للفقراء الكورد من خلال امتلاك مستوصف خيري قدم
الادوية والمعالجة الطبية، كما دابت الجمعية على اصدار روزنامات حرصت على ان تضع
عليها صور الشخصيات الكوردية من الشعراء والزعماء الكورد البارزين، من اجل ترسيخ
انجازاتها القومية في اذهان الاجيال
الكوردية الجديدة في لبنان(14).
واللافت، ان الجمعية الخيرية الكوردية
اللبنانية عملت في الوقت نفسه وبذلت جهود واضحة من اجل منح الكورد في لبنان
الجنسية اللبنانية، حيث اكد رئيس الجمعية في مقابلة اجريت معه في أواسط التسعينات،
انه في فترة الحرب الاهلية اللبنانية سنة 1975، عمل المستوصف التابع للجمعية بشكل
ملحوظ لمساعدة اللبنانيين بمختلف طوائفهم لذا فانها صنفت كاول جمعية ومستوصف من
قبل (دائرة الانعاش الاجتماعي اللبناني) بسبب خدماته الجليلة الى جانب تاسيسها دار
توليد وتقديم المساعدات التموينية للمواطنين وتحركها منذ سنة 1969 لمنح الكورد
الجنسية اللبنانية(15)، شهدت نشاطات
(الجمعية الخيرية الكوردية اللبنانية) تراجعا ملحوظا في السنوات الاخيرة، نتيجة
اسباب عديدة منها نقص السيولة المادية(16).
ـ جمعية
الارز الثقافية الرياضية
تشكلت جمعية الأرز الثقافية الرياضية،
في 18 آذار 1969 من أجل تحسين النشاطات الرياضية والثقافية الكوردية، والمميز ان
المبنى الذي يقع فيه الجمعية الكائن في بناية متواضعة في بيروت، زين بصور المؤسسين
وهم في عمومهم من اسرة ( فخرو) واعضاء من بعض الاسر القريبة منها مثل الاسر
الكوردية (علي، عتريس، حسن، كوردي، ورمو)، ومن ابرز نشاطات الجمعية، كان تاسيس
فريق لكرة القدم فاز بعدة بطولات وطنية أوائل السبعنيات، واصدار نشرة سميت (راستي
/ الحقيقة ) اهتمت بالأوضاع العامة للكورد في لبنان، الى جانب اهتمامها بالشؤون
الكوردستانية(17).
ـ الحزب الديمقراطـي الكـوردي في لبنان ـ
البارتي
تاسس الحزب (الديمقراطي الكوردي في
لبنان ـ البارتي) سنة 1970 على يد العامل الكوردي (جميل محو 1930-1982)، المولود
في احدى القرى الكوردية في كوردستان - تركيا واليتيم الذي فقد والده في سن مبكرة،
وهاجرت به والدته الى لبنان نتيجة الظروف القاسية وللتخلص من ظلم الاتراك، وبسبب
شظف العيش لم يرتاد المدرسة، حيث دخل مجال الاعمال اليدوية منذ صغر سنه(18).
من المهم الاشارة، ان البدايات الاولى
لتاسيس الحزب تعود الى سنة 1960، عندما اعلن عن تشكل المنظمة بشكل سري تحت عنوان
(منظمة الشبيبة الديمقراطية الكوردية في لبنان) تحت الشعارات التالية، المواطنية
اللبنانية حق من حقوق الشعب الكوردي، يا كورد لبنان اتحدوا ثم طالبوا بحقوقكم،
بدعم وتاييد من الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق و(البارتي) في سوريا. حيث
تضمنت فعاليات المنظمة الاولى الاتصال بالكورد المحليين ونشر البيانات الداعية الى
تحسين الحالة المعيشية المتردية من خلال التركيز على ضرورة تحسين حقلي التعليم
والثقافة ووجوب حل مشكلة المواطنة من قبل الدولة وذلك بمنح الاغلبية الكوردية في لبنان
حق الجنسية، الى جانب العمل لجعل مدينة بيروت منبرا اعلاميا مهما لايصال صوت
الثورة الكوردية سنة 1961 الى العالم الخارجي(19).
عرفت العلاقة بين المنظمة والحزب
الديمقراطي الكوردي في سوريا تطورا ملحوظا، حتى ان المنظمة اصبحت بمثابة فرع من
فروع الاخير، واستمرت الاوضاع على ذاك المنوال حتى حدوث تطورات عدة داخل الحزب ادت
الى انشقاقه في 5 اب 1965، افرز عن بروز خط سياسي يساري تمثل بتيار الشباب الذين
وجدوا من الضرورة الالتزام بالمنهج العلمي الثابت، الامر الذي كان كفيلا بانشقاق
المنظمة الى فصيلين وخروج مجموعة من قواعده وتشكيل (منظمة البارتي الديمقراطي
الكوردي اليساري) وبقاء المنظمة في خطها السياسي السابق(20).
جاء في منهاج الحزب الداخلي، ان
(البارتي) يعد اول حزب لبناني تأسس في الاول من تموز 1960 وانه نال الاجازة
الرسمية بموجب القرار ذي الرقم (868) في 24 آيلول 1970 وان مؤسسه هو (جميل محو)،
ومن المهم الاشارة الى انه بعد الحصول على الاجازة الرسمية والاعلان عن الحزب بشكل
رسمي في لبنان، سرعان ما انحاز مؤسسه (جميل محو) الى جانب النظام العراقي وبرر
الحرب العراقية ضد الكورد والمطالبة بالحقوق القومية المشروعة، مما كان كفيلا بان
يؤثر على مسيرة الحزب وان يفقده شعبيته التي كانت المتاتية اصلا من تشجيع
(البارتي) في العراق له، وبدا للكورد في لبنان ان (جميل محو) باع اصله ومبادئه
القومية لقاء مبالغ قدمت له من النظام العراقي كي يخون ابناء جلدته بشكل سافر(21).
اصدر الحزب (الديمقراطي الكوردي في
لبنان (البارتي)، جريدة (دةنطى كورد) وهي صحيفة سياسية اسبوعية استمرت بالصدور في
لندن بعد الانقطاع الذي شهدته فترة من الزمن وكانت قد اكدت ان اهداف الحزب تتركز
في لعمل من اجل تعزيز الوحدة الوطنية اللبنانية وتوحيد الكورد في لبنان ورفع
مستواهم الثقافي والاجتماعي(22).
التنظيمـات
الكورديـة في لبنـان خلال الفترة 1970 ـ 1980:
شهد
عقد السبعينات من القرن الماضي ولادة تنظيمات كوردية عدة في لبنان، معظمها كانت
نتيجة لحالات التشظي والانقسام السياسي التي طالما عانت الساحة السياسية الكوردية
في لبنان من اثارها الضارة، وابرز التنظيمات كانت:
ـ منظمـة البـارتي الديمقراطـي الكوردي اليساري في
لبنـان
أرسل القوميون الكورد في سوريا مبعوثيهم إلى
لبنان بداية الستينات، وبنتيجة تلك الجهود تأسست في لبنان منظمة البارتي الديمقراطي الكوردي اليساري في لبنان سنة
1970، وتكونت النواة للمنظمة من خلال تواجد بعض العمال والطلاب الكورد في لبنان،
وتعاونهم مع التيار الشبابي المتحمس قوميا في لبنان، وكانت ثمرة ذاك التعاون ظهور
المنظمة، وعرف عن المنظمة تبنيها نظرية "التطور اللاراسمالي" في مؤتمرها
الاول سنة 1970، ونظرية "مسالة التطور الديمقراطي" في المؤتمر الثاني،
وفي مؤتمرها الرابع سنة 1974 اضيفت كلمة "اليساري" الى اسمها، واصبحت
عضوا في "جبهة الاحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية"(23).
ـ الحزب
الديمقراطي الكوردي في لبنان ـ البارتي" القيادة المركزية"
تشكل
الحزب الديمقراطي الكوردي في لبنان ـ البارتي" القيادة المركزية"سنة
1971 على يد بعض الشباب المنضوين تحت عضوية البارتي الذين تجاوبوا مع البعض من
الذين رفضت طلبات انتسابهم للحزب من قبل رئيس الحزب جميل محو، فضلا عن التذمر من
حصر الاخير لقيادة البارتي بين ابناء عائلته، عرف هذا الحزب بوقوفه الى جانب
الثورة الكوردية، واصدار نشرة خاصة باسم (بارتي) والتحالف مع حزب رزكاري الكوردي
اللبناني عند بداية تاسيسه، تركز النضال السياسي للحزب في اصدار نشرات وبيانات
خاصة بمناسبة اعياد نوروز، و ابرز الاحداث التي مر بها الحزب، كان اغتيال سكرتير
الحزب غازي فرح مع اثنين من رفاقه سنة 1987، حيث وجدت جثثهم مشوهة بعد ان تم
اغتيالهم بشكل مروع، وجهت قيادة الحزب اصابع الاتهام الى النظام العراقي في اعداد
وتنفيذ الجريمة، كانت العميلة كفيلة بوقف نشاطات الحزب ولم يصدر عنه اي نشاط يذكر
بعد الحادثة(24).
ـ فـرقة نـوروز الكـوردية
شهد
المجتمع الكوردي في لبنان حراكا من نوع اخر، ظهر بالتزامن مع التحرك السياسي
والاجتماعي، تمثل بتاسيس فرقة فلكلورية اريد لها ان تكون الناطق الرسمي للفن
والتراث الكوردي وهكذا تشكلت (فرقة نوروز الكوردية) سنة 1972، ابرز المؤسسين كان
كل من (غازي عميرات، داود محو، حكمت خليل الكوردي، جميل سيالا، خضر طه، وعلي
سروخان ملا)، واما باكورة نشاطات الفرقة،
فكان تقديم عروض فنية عدة على مسرح (سينما ريفولي) في ساحة البرج(25).
ـ حزب
رزكاري الكوردي اللبناني
تاسس حزب رزكاري الكوردي اللبناني في 3
نيسان 1975، من قبل (فيصل فخرو) والمجموعة المحيطة به، كي يكون الحزب الجناح
السياسي لجمعية الارز، حرص رئيس الحزب على التاكيد ان حزبه تاسس بعد فشل (البارتي)
من اداء مهامه القومية والوطنية التي تشكلت بالاصل من اجل تحقيقها، نتيجة انحراف
(جميل محو) السياسي بدعمه لممارسات النظام العراقي، فضلا عن تحول الحزب الى مؤسسة
عائلية فشلت في استيعاب باقي ابناء الاسر الكوردية(26). وبسبب ذلك فان عدت مصادر مطلعة ان الباعث
الاساسي وراء تاسيس حزب رزكاري الكوردي اللبناني، كان القضاء على ما تبقى من نفوذ
(البارتي)، ومما يؤكد هذا الطرح اندلاع المواجهة بين الطرفين التي اتسمت بالدموية
في مناطق وادي ابو جميل وزقاق البلاط في احيان كثيرة ، خلال سنتي (1977-1978) على
اثر نشوب احداث لبنان الاهلية(27).
تالفت قيادة الحزب من (فيصل فخرو،
عزالدين فتاح حسن، حسن ملا، وطلعت فخرو)، واصدر الحزب نشرة تحت اسم (خبات/
النضال)، سعت الى ابراز اهداف الحزب المتمثلة في العمل من اجل تحسين اوضاع الكورد
في لبنان اجتماعيا وسياسيا وعلى الصعيدين المحلي والكوردستاني، وفي مؤتمر الحزب
الاول الذي انعقد في 27 تموز تم التركيز على حق الكورد في اكتساب الجنسية
اللبنانية، وتضامن الكورد مع باقي القوى الوطنية في لبنان، وعلى الصعيد
الكوردستاني اظهر الحزب تاييده للقضية الكوردية، وحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره(28).
ـ الحزب
الديمقراطي الكوردي في لبنان ـ البارتي " القيادة المؤقتة".
ترك القرار الخاطىء غير محسوب النتائج
الذي اتخذه (جميل محو) الانعكاسات المؤثرة سلبا على الحزب، لدرجة ان اقرب
المعاونين تمرد على قيادته، وللاستدلال فان ابنه (محمد جميل محو) نائبه في قيادة
الحزب انشق عنه سنة 1977 و عرف عنه تفضيله دعم وتاييد نشاطات حزب الاتحاد الوطني
الكوردستاني بقيادة (جلال الطالباني) ضد النظام العراقي وحمل جناحه من الحزب تسمية
الحزب الديمقراطي الكوردي في لبنان ـ البارتي "القيادة المؤقتة" وبقي
(محمد جميل محو) على راس جناحه الى يوم مقتله في نيسان 1982 اثناء محاولته تطويق
خلاف امني نشب في وادي ابو جميل خلال احداث الحرب الاهلية في لبنان(29).
ـ حزب رزكاري
الكوردي اللبناني ـ جناح عبدالكريم ابراهيم
بدات قيادة حزب رزكاري الكوردي اللبناني
بالتراجع عن مبادئها على الصعيد الكوردستاني، الامر الذي يفسر انشقاق الحزب الى
جناحين مختلفين سنة 1977، الاول بقي تحت قيادة (فيصل فخرو) والثاني تشكل على يد ابرز
اعضاء القيادة عبدالكريم ابراهيم، الذي
استغل التقارب الذي حصل بين فيصل فخرو وجميل محو واعلانهما عن تشكيل جبهة
كوردية عريضة ، فاعلن معارضته لخطوتهما، انتهى دور جناحه مع الاجتياح الاسرائيلي
لبيروت سنة 1982 ومغادرته لبنان على اثر ذلك(30).
ـ منظمة البارتي الديمقراطي الكوردي اليساري في لبنان
" الحركة التصحيحية"
انتقلت انشقاقات البارتي الديمقراطي الكوردي اليساري في سوريا، إلى منظماتها في الخارج وكانت منظمة الحزب في لبنان الأقوى
والأكثر تأثراً من بين كل المنظمات، والمعروف إنها وقفت أول الأمر إلى جانب جناح
صلاح بدر الدين عند انشقاق سنة 1975، إلاّ أن المنظمة لم تستمر طويلاً في الحفاظ
على نقاء وصفاء الود مع قيادتها، و عملت على الخروج عن سيطرة الحزب التنظيمية(31)، أوردت المنظمة في ملحق مجلتها (روهلات)،
العدد (32) أوائل أيار1979، بياناً تحت عنوان (حول دوافع قيام الحركة التصحيحية في
منظمة البارتي الكوردي اليساري اللبناني)، لخص أسباب الانشقاق فيه إلى ضبابية الخط
السياسي العام للحزب، وسير العمل داخل أجهزة المنظمة، فبالنسبة إلى الأول أورد
البيان "لا ندري كيف يمكن لمنظمة أن يكون عمرها تسعة عشر عاماً ان لا يتجاوز
عدد أعضائها أربعين عضواً، ويقتصر عدد هيئاتها الحزبية (الخلايا) على عدة هيئات،
ثم تدعي قيادتها أنها تمثل الغالبية العظمى من الطبقات الكادحة"، وحول
السبب الثاني ذكر البيان "لو إن القيادة السابقة عملت بالتقرير التنظيمي الذي
قدم لها في 18 آيلول 1978، لما جرى ما حصل، واالاشارة ان الوضع التنظيمي اقتصر على
الأمين العام وشخصين من اتباعه"(32).
التنظيمات الكوردية في لبنان خلال الفترة 1980 ـ
1990:
سجل عقد الثمانينات من القرن الفائت
ظهور فصائل ومنظمات كوردية جديدة بين الكورد في لبنان، اثرت عوامل ذاتية و موضوعية
في تعاطيها مع ظروف ويوميات الحرب الاهلية اللبنانية والدوران في فلك قوى مؤثرة
على الساحة، اهم التنظيمات هي:
ـ التجمع الديمقراطي الكوردي اللبناني
كانت نواة التجمع الكوردي اللبناني
تجمعا عائليا قامت به اسرة علي خان، اثر تعرض احد افرادها لحادث فردي، ونتيجة
اجتماعات وزع بيان اوائل ايار 1981 صادر عن امانة شؤون الاعلام والنشر والتوجيه في
التجمع الكوردي اللبناني، واعلن فيه عن تشكيل التجمع كرد على التردي المتزايد في
الوضع الكوردي في لبنان وما تعيشه الجماهير من تخلف سياسي واجتماعي، وكان من اهم
نشاطاته القيام بمجموعة من الندوات الجماهيرية والمهراجانات، وتاسيس
فرقة"ديرسيم الفلكورية الكوردية"، توقف عمل التجمع خلال فترة التسعينات
لجملة من الصعوبات(33).
ـ الرابطة الكوردية الموحدة
اسس الرابطة الكوردية الموحدة مجموعة من
الشباب عند بداية سنة 1982 وكانت عبارة عن خلية سرية لم تتخذ لها مقرا معلنا، بل
انطلقت كرابطة سياسية خيرية اجتماعية وثقافية من اجل جمع العائلات الكوردية
وتاطيرها تحت شعار "لنا الحق في لبنان" ولم تصدر نشرة خاصة واقتصر
نشاطها على المسائل الاعلامية، مارست نشاطاتها الاعلامية والتنظيمية حتى بداية
الاجتياح الاسرائيلي للبنان(34).
ـ حزب
رزكاري الاشتراكي الكوردي اللبناني
وزع بيان في بيروت نهاية 1982 اعلن فيه
عن ولادة الحزب الذي كان امتدادا لجناح عبدالكريم ابراهيم، عقد الحزب اجتماعه الموسع
في 15 تموز 1982، وابرز ما تم اتخاذه كان اعادة تنشيط البنية التنظيمية للحزب، فصل
الامين العام السابق عبدالكريم ابراهيم، لاسباب مالية ولعدم التزامه بالنظام
الداخلي للحزب، وتعديل اسم الحزب ليصبح حزب رزكاري الاشتراكي الكوردي اللبناني،
وبعد نحو سنة من عمره نشب صراع بين اعضاء قيادة الحزب وامينه العام جميل حسن،
واقتصر نشاطه على اصدار بعض البيانات خلال مناسبات مختلفة(35).
ـ اتحاد
الوطنيين الكورد في لبنان
ولد الاتحاد لبلورة ثوابت قومية موحدة
وبرنامج للعمل الكوردي العام في لبنان، وعاهد الاتحاد الذي ولد خلال سنة 1984 ان
ياخذ على عاتقه مسؤولية العمل من اجل تخليص الكورد في لبنان من المعاناة، وقد اصدر
الاتحاد برنامجا ضمنه سعي الاتحاد للعمل على المستويين اللبناني، والكوردي،
ومواقفه على الصعيد الكوردستاني والاقليمي والدول، وكان الاتحاد قد قام بزيارت
للمسؤولين الرسميين والروحيين وتقديم المذكرات لتحسين الاوضاع المزرية للكورد(36).
التنظيمات الكوردية في لبنان خلال الفترة 1990 ـ 2000:
يبدو من تتبع الشؤون السياسية والثقافية
للكورد في لبنان خلال فترة التسعينات، اتجاه الساسة الكورد نحو استئناف نشاطاتهم
بشكل اكثر حرفية، بغية تحقيق المزيد من الاستقرار الداخلي واعطاء الاولوية لمبدأ
الانسجام بين التنظيمات الكوردية اللبنانية وابرزها كانت:
ـ الاتحاد
الثقافي الانساني الكوردي في لبنان
تأسس الاتحاد الثقافي الانساني الكوردي في لبنان
على يد عناصر قومية من الشباب الكورد السوريين واللبنانيين بداية التسعينات، ويعد
الممثل غير الرسمي لـ(حزب العمال الكوردستاني الـ pkk) في لبنان، وكان اغلب اعضاء
الاتحاد ما عدا القيادة الادارية تكونت من الكورد السوريين والكورد الاتراك
الوافدين على لبنان بشكل مؤقت، وشملت نشاطات (الاتحاد الثقافي الانساني الكوردي في
لبنان)، المتنوعة فتح دورات لتعليم اللغة الكوردية وافتتاح معارض لصناعات يدوية
وتنظيم المهرجانات فلكلورية ومناسبات قومية مثل الاحتفال بعيد نوروز، وبلغ الامر
في نوروز سنة 2002، استطاع الاتحاد حشد نحو 5000 شخص من المحتفلين ، كما برز دوره
الاعلامي من خلال اصدر الاتحاد مجلة ( الوردة الحمراء ـ سور كول) التي تضمنت
مواضيع متنوعة عن الكورد وقضاياهم العامة(37).
ـ الجمعية الاجتماعية اللبنانية
كانت هيمنة بعض الاسر بعينها على مجريات
الحياة الاجتماعية والسياسية بشكل احادي في المشهد السياسي الكوردي في لبنان، وراء
تحفز اسر اخرى الى لعب دور اكبر ومن ذلك المنطلق شكلت اسرة (آل عميرات) الاتحاد
العائلي الخاص بها سنة 1979، من اجل الحفاظ على مصالح العائلة والاطراف المتحالفة
معها مثل عوائل (مدني، حسين، وسعدو) كما التحق اعضاء من (آل عميرات) بـ(الجمعية الاجتماعية
اللبنانية) في الوقت نفسه، والتي لم تكن على صلة بالكورد بسبب تاسيسها من قبل اسر
عربية بيروتية منتمية الى (جماعة الاحباش)، الا ان القيادات الكوردية عرفت تدرجا
في قيادتها و استحوذت على كامل القيادة بحلول سنة 1999، مع ذلك سادت الشكوك بين
الاوساط الكوردية حول حقيقة الدور المنوط بالجمعية ووجد الكثير فيها، ذراع من اذرع
(جماعة الاحباش) الاسلامية السنية(38).
ـ الجمعية اللبنانية للخدمات الاجتماعية
تاسست الجمعية اللبنانية للخدمات
الاجتماعية برئاسة (حسين محو 1938-2003) ويقودها (لقمان محو) حاليا، اوضحت مصادر
الجمعية الاعلامية ان اهدافها تنحصر في العمل على متابعة الشؤون التي تخص اوضاع
الفقراء من الكورد في لبنان والتواصل مع باقي الجمعيات والمؤسسات الخدماتية في
سبيل تقديد المساعدات الانسانية الضرورية والعمل في سبيل التلاحم الوطني
والاجتماعي بين مختلف فئات الشعب اللبناني والسعي الدؤوب لخدمة المجتمع البيروتي
عموما والكوردي خصوصا، ومن الجدير بالذكر ان الجمعية حظيت بالدعم من رئيس الوزراء
للبناني الاسبق رفيق الحريري قبل اغتياله، وكان للجمعية الدور الكبير في تاسيس
فرقة فنية فلكلورية كوردية تحت تسمية (فرقة جبل الاكراد اللبنانية للفنون الشعبية)(39).
ـ جمعية جيل
المستقبل
سجلت سنة 1997 تاسيس جمعية كوردية جديدة
في لبنان باسم (جمعية جيل المستقبل) وحسب مصدر مطلع فان الجمعية تميزت بثلاث
مميزات هي، انتماء كل اعضاء الجمعية الى الرابطة العائلية(مردلي)، وانهم حلفاء
اوفياء لرئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري الذي اغتيل سنة 2005، وانكار
اعضاء الجمعية لاصولهم الكوردية مقابل الادعاء الاصل العربي(40).
هدفت الجمعية الى تقديم العون الى اعضاء
ومؤيدي خطها السياسي، ويظهر الولاء لتيار الحريري، من خلال اطلاق كلمة (المستقبل)
على الجمعية، والعمل على الاندماج في المجتمع اللبناني، وعلى الرغم من ذلك اعتبرت
الاوساط اللبنانية (جمعية جيل المستقبل) تابعة للكورد وتعمل لصالح القضايا
الكوردية(41).
التنظيمات الكوردية في لبنان خلال الفترة 2000 ـ 2009 :
انحصر المغزى العام للفكر السياسي
للتنظيمات الكوردية بلبنان خلال فترة (2000ـ 2009) في محاولة تقويض الصلات والعلاقات الاجتماعية
التقليدية السابقة، المعيقة لتطور المجتمع الكوردي في لبنان طوال الفترات السابقة،
بهدف إقامة علاقات على أساس جديد يعتمد على النزعة الجماعية، والمميز سعيها الى
تأمين حاجات الكورد المتزايدة وترسيخ مبدا الاحساس بالانتماء الى الوطن وتطوير
علاقات اكثر متانة مع الجهات المتنفذة في الدولة.
كما بدا
واضحا تاييد غالبية الكورد في لبنان للنهج السياسي الذي يمثله تيار المستقبل
بزعامة عائلة الحريري بخصوص موقف الكورد اللبنانيين من الفرقاء السياسيين في
البلاد(42)، وللاستدلال نكتفي ان اكثر من
نصف الكورد في بيروت وحدها صوتوا في الانتخابات النيابية في سنتي (1996 ، 2000)
لصالح الاخير، والمميز ان تلك العلاقة ازدادت متانة بمرور الوقت، لاسيما ان اطراف
من المعارضة اللبنانية دابت على الاستخفاف بالمشاعر الكورد في لبنان وايذائهم
بالكلام الجارح، من ذلك ان النائب الجنرال ميشيل عون احد قادة فريق 8 آذار
السياسي، اطلق عبارة "هيدا الكردي وهيدا الحيط"، نكاية عن عناد رئيس
الوزراء فؤاد السنيورة من فريق 14 اذار، في ما يتعلق بالحلول المقترحة لتشكيل
الحكومة اللبنانية، دون ان يفكر الجنرال عون بما قاله وانه بذلك الموقف يجريح
مشاعر جزء مهم من النسيج الاجتماعي والسياسي اللبناني وهتك حرمة عشرات الشهداء
الكورد في قلعة الشقيف اثناء مقاومتها للقوات الاسرائيلية منتصف الثمانينات(43).
تجدر
الاشارة، ان مجموعة من المواطنين الكورد اللبنانيين قدمت مذكرة الى قيادات البلاد،
اكدت فيها ان الجنرال ميشيل عون قام ضمن التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية
باطلاق عبارات اهانة للكورد يفهم منها ان الكورد همج واغبياء، وطالبت النائب عون
الى تقديم الاعتذار عما بدر من الاساءة وضرورة احترام الهوية والثقافة الكوردية(44).
فضلا عن ما تقدم، شهدت الساحة الكوردية
في لبنان نوعا من التنسيق المشترك واللقاءات بين الاطراف والجمعيات والتنظيمات
المكونة لعموم المجتمع الكوردي في لبنان، من ذلك ان جريدة المستقبل الناطقة باسم
تيار المستقبل بزعامة الحريري، اوردت في عددها (1443)، 4 تشرين الثاني 2008، ان كل
من الجمعية اللبنانية الاجتماعية)، واتحاد الطلبة الكورد في لبنان اقامت حفل افطار
سنوي مشترك، لعدد كبير من المدعوين، تحدث فيها رئيس الجمعية (محمد عميرات والشيخ
يوسف الملا) عن الكورد في لبنان واهم المشاكل التي يعانون منها(45).
ـ لقاء القوى الكوردية في لبنان
اتحدت
مجموعات سياسية كوردية عدة في لبنان سنة 2002، في اطار تنظيمي أطلق عليه تسمية لقاء القوى الكوردية في لبنان، ومن المهم الاشارة ان
وسيلة اعلامية كوردية لبنانية اوردت ان الاطار الوحدوي ضم عددا من المنظمات
الكوردية هي، الجمعية الكوردية اللبنانية الخيرية، جمعية الارز الرياضية الثقافية
الكوردية، حزب رزكاري كوردي لبناني، لجنة مسجد الروضة، وجمعية الصم والبكم - فرع
الكورد، وان لقاء القوى الكوردية في لبنان عقد اجتماعا في بيروت داخل مقر الجمعية الكورية اللبنانية الخيرية في 10 نيسان
2009 (46)، و اصدر بيانا بمناسبة اقتراب موعد اجراء عملية الانتخابات النيابية في لبنان في 7
حزيران 2009، اكد فيه ان الكورد لن يكونوا ورقة انتخابية بيد احد وانهم
احرار في خياراتهم، وشدد البيان على ضرورة ان يكون للكورد في لبنان المرجعية
السياسية، لتعزيز وحدة الصف والكلمة الكوردية والحفاظ على كرامتهم وحقوقهم في
بلدهم لبنان(47).
الاستنتاجات
استخلاصاً لنتائج
تحليل تطور الفكر السياسي والثقافي الكوردي في لبنان في 1940 ـ 2009 ، يمكن التوصل الى استنتاجات عدة منها:
1.
ممارسة الكورد في لبنان نشاطات سياسية وثقافية ذات تجارب
مميزة بمضامينها على الصعيد الكوردي المحلي في فترة مبكرة.
2.
ساهمت عوامل خارجية في بلورة الوعي السياسي والثقافي
الكوردي في لبنان، من قبل الشخصيات الكوردية، فضلا عن تاثير تطورات سياسية شهدتها
مناطق كوردستان خلال مراحل مختلفة.
3.
تحول المنظمات السياسية والثقافية الى روابط عائلية
محصورة بين افراد يمتون الى بعضهم البعض بصلات قربى نتيجة هيمنة عوائل معروفة على
العمل السياسي والثقافي الكوردي في لبنان.
4.
فشل التنظيمات الكوردية من التاثير على الاوساط السياسية
اللبنانية بالشكل المطلوب، بغية توفير استحصال الحقوق الكوردية المرجوة، مثل
المشاركة المعقولة في المعادلة السياسية اللبنانية بما يتوافق مع الحجم العددي
للكورد في لبنان.
5.
انحصار النشاط الكوردي السياسي والثقافي في لبنان في
الاعمال الخيرية ذات الطابع الاجتماعي والسياسي البدائي في اغلب مراحله.
Abstract
The
research(Kurdish political and cultural activity in Lebanon during the period
of 1940- 2009) had clarified for us that Kurds presenting in Lebanon had works
toward developing their political and
cultural activities and had established many of Kurdish societies and
organization in Lebanon during the period of the research but that organization
had remained below the desired level due to their dependence on some families
parse and lack of inclusion of the Lebanese Kurd as a self-existent unity
الهوامش
والمصادر:
(1)
ولد كاميران بدرخان بك يوم 21 اب 1895 في
مدينة دمشق، وانهى دراسته الابتدائية والثانوية في مدارسها، وتعلم بعض اللغات
الغربية والشرقية في صباه وانضم سنة 1927 الى جمعية (خويبون) وعمل جاهدا لرفع شان
شعبه، ساهم بكتاباته منذ سنة 1932 في مجلة (هاوار) ومجلة (روناهي) العائدتين
لشقيقه الامير جلادت بدرخان بك بدمشق، تزوج من اميرة بولونية اسمها (ناتاليا) سنة
1954 ولم تنجب له اطفالا. توطدت علاقاته مع قائد الثورة ملا مصطفى البارزاني،
اثناء ثورة ايلول الوطنية، توفيت زوجته سنة 1975وتوفي هو في 4 كانون الاول 1978،
اجاد الامير الدكتور كاميران بدرخان بك عدة لغات قراءة وكتابة، بالاضافة الى لغته
الكوردية، وهي العربية، التركية، الفارسية، الفرنسية، الانكليزية، والالمانية
للمزيد من التفاصيل ينظر: د. صلاح محمد سليم هروري، الاسرة البدرخانية نشاطها السياسي
والثقافي 1900ـ 1950، (دهوك، 2004)، ص102ـ 109؛ جريدة دنكى كورد، "مرور مائة سنة على ميلاد
الدكتور كاميران بدرخان وسبعة عشر سنة على رحيله"، العدد (255) اب 1995.
يذكراحد المطلعين على الشان الكوردي في لبنان،
ان عوامل ذاتية كانت السبب وراء اغلاق ابواب مدرسة (اللاييك) المسائية التي اسسها
كاميران بدرخان بك، حيث كان احد وجهاء الكورد قد منع افراد عشيرته من ارتياد
المدرسة بعد نشوب خلاف بين المذكوراعلاه واحد الطلاب، الامر الذي اثر سلبا في
استمرار المدرسة والهدف من وراء تاسيسها، للتفاصيل ينظر: احمد محمد احمد، اكراد
لبنان وتنظيمهم الاجتماعي والسياسي، (بيروت، 1995)، ص100، الهامش رقم (3).
(2) عربي مسيحي لبناني، مؤلف واستاذ
جامعي ومترجم قانوني، ولد في غوسطا (كسروان) في 7 شباط 1898، حصل على شهادة
الدكتوراة في الفلسفة وعلم الاجتماع سنة 1927 في ايطاليا، عمل مدرسا في العراق
خلال المدة (1930 ـ 1941) له ثلاث كتب عن الكورد وكوردستان، توفي في 15 شباط 1995
من اوائل من كتب عن الكورد في سوريا ولبنان، للتفاصيل عن حياته ومواقفه ينظركتابه:
القضية الكوردية بين الامس واليوم،تقديم، الدكتورعبدالفتاح علي البوتاني، من
منشورات مركزالدراسات وحفظ الوثائق/ جامعة دهوك (دهوك، 2008).
(3) د. اديب معوض، الاكراد
في سوريا ولبنان بحث اجتماعي نشر تباعا في النشرة الامريكية، اعاد نشره
مركزالدراسات وحفظ الوثائق/ جامعة دهوك،( دهوك، 2008)، ص 34 ؛ فرح وجيه كوثراني،
لقمان ابراهيم محو، الجالية الكوردية في لبنان، ت: فاخر عمر محمد، من منشورات
مركزالدراسات الكوردية وحفظ الوثائق/ جامعة دهوك، النشرة رقم (14)، ( دهوك، 200)،
ص13.
(4) جريدة دنكى كورد، "مرور مائة سنة على ميلاد
الدكتور كاميران بدرخان وسبعة عشر سنة على رحيله"، العدد (255) اب 1995؛
دلاور زنكي، يوم الصحافة الكردية الدكتور كاميران بدرخان، مقال منشور في موقع
عفرين. نت، 2009، ص 2.
(5) نقلا عن : كتابه،
المصدر السابق، ص36.
(6) للتفاصيل ينظر:علي صالح
ميراني، الحركة القومية الكوردية في سوريا 1946-197، (اربيل، 2004)؛ محمد ملا
احمد،
صفحات من تاريخ حركة التحرر الوطني الكردي في سورية،
ط2،(اربيل،2001)؛ عبدالحميد درويش، اضواء على الحركة الكردية في سوريا احداث فترة
1956 ـ 1983، ط2(السليمانية، 2003).
(7) للتفاصيل ينظر : المصدر
نفسه.
(8) احمد محمد احمد، المصدر
السابق، ص 136 ـ 142.
(9) المصدر نفسه، ص146.
(10) Farah
Wajih Kawthrani’ The interplay of Clientelism and Ethnic entity in pluralist
state ;the case of the Kurdish community in Lebanon ; Thesis submitted in
partialfulfillim of the requirements for the degree of Master of Arts of the
Department of Social and Behavioral Sciences of the faculty of Arts and science
sat the American University of Beirut ; p 76.
(11) للتفاصيل ينظر: موقع
الجمعية الرسمي على شبكة الانترنيت :
www.
Civata kurde lubnan.com
(12) ينظر:المصدر نفسه.
(13) المصدر نفسه.
(14) كلستان محمد، لمحة عن
الجمعية الكردية اللبنانية الخيرية، مقال منشور في موقع سما كورد. نت، 2008.
(15)ينظرمقابلة رئيس
الجمعية في: جريدة دنكى
كورد، العددان(236-237)، حزيران تموز،1994.
(16) سيروان قجو، واقع
الجمعيات الكردية في لبنان، مقال منشور في موقع :
www.whreto.lebanon.com
(17) صلاح عصام ابو شقرا، الاكراد شعب معاناة، ( بيروت،
1999)، ص163.
(18) للتفاصيل ينظر: www.Kurdish Democratic Party _ Lebanon.com
(19) احمد محمد احمد، المصدر السابق، ص 147.
(20) المصدر نفسه، ص 147 ـ
148.
(21) للتفاصيل ينظر: المصدر نفسه.
(22)
المصدر نفسه.
(23) احمد محمد احمد، المصدر
السابق، ص 154ـ 156.
(24) المصدر نفسه، ص 151ـ
152.
(25) المصدر نفسه، ص 153.
(26)
Farah Wajih Kawthrani:Ibid:p83
(27) رمضان فتاح، متى تحصل
المواحهة والانفصال النهائي بين اكراد لبنان الفقراء وكورد الاقليم الاغنياء، مقال
منشور في موقع مجلة روديم الالكترونية، 7
تموز 2008.
(28) احمد محمد احمد، المصدر
السابق، ص159ـ 161.
(29) عصام صلاح ابو شقرا،
المصدر السابق، ص163-164.
(30) المصدرنفسه، ص164. للتفاصيل عن الاجتياح الاسرائيلي لمدينة بيروت
وتاثيراته على الساحة اللبنانية والاقليمية ينظر: لوسيان بيترلان، الحروب والسلام
في الشرق الاوسط حافظ الاسد والتحديات الثلاث لبنان ـ فلسطين ـ الخليج، ت: د.محمد
عرب صاصيلا،( دمشق، 1998)، ص 35ـ 40.
(31) للمزيد من التفاصيل ينظر:علي صالح ميراني،
الحياة الحزبية السرية في كوردستان
ـ سوريا 1898- 2008 رصد
وثائقي لمسيرة اكثر من قرن من تطور الوعي القومي
في الجزء الجنوب الغربي من كوردستان، تقديم ومراجعة : د. عبد الفتاح علي
يحيى بوتاني، من منشورات مركز الدراسات وحفظ الوثائق الكوردية/ جامعة دهوك،( دهوك،
2009).
(32) للتفاصيل ينظر: منظمة البارتي الكوردي اليساري اللبناني،
بيان حول دوافع قيام الحركة التصحيحية، ملحق مجلة روهلات، العدد (32)، أوائل أيار
1979.
(33) احمد محمد احمد، المصدر
السابق ، ص164ـ 166.
(34) المصدر نفسه، ص167ـ168.
(35) المصدر نفسه، ص162ـ164.
(36) المصدر نفسه، ص
168ـ169.
(37)
Farah Wajih Kawthrani:Ibid: p79.
(38) فرح وجيه كوثراني،
لقمان ابراهيم محو، المصدرالسابق، ص18-19.
(39) للتفاصيل ينظر موقع
الجمعية على شبكة الانترنيت: www.
Kla - Lebanon.com
(40) فرح وجيه كوثراني،
لقمان ابراهيم محو، المصدر السابق، ص 21.
(41) المصدر نفسه، ص 21.
(42) للتفاصيل حول الحياة
السياسية في لبنان ينظر: حسين حمد عبدالله الصولاغ، التطورات السياسية في لبنان
1941ـ 1958، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة بغداد، 1990؛ نبيه
الاصفهاني، الاحزاب والتنظيمات السياسية في لبنان، مجلة السياسة الدولية، العدد
(43)، (القاهرة، 1976)، ص 68ـ 72.
(43) نمطية صورة الكردي في
ذهنية العربية، مقال منشور في موقع العربية. نت، 30 حزيران 2008.
(44) مجموعة من الكورد اللبنانيين، مذكرة الى قيادات البلاد
بعنوان "رد على ميشيل عون"، 9 حزيران 2008.
(45) ينظر: جريدة المستبقل،
العدد (1443)، 4 تشرين
الثاني 2008
(46) للتفاصيل ينظر: موقع
مجلة روديم الالكترونية،10 نيسان 2009.
(47) لقاء القوى الكوردية في لبنان، بيان حول الانتخابات
اللبنانية،7
حزيران 2009 .
ليست هناك تعليقات: