الوضع الراهن
Pênûsa Azad hijmara
hivdeh 17`ê
عبدالجبار قاسم
الوضع الراهن بلاشك نحن نمرُّ بمرحلة راهنة جداً صعبة وخطيرة في
واقعنا ، حيث نقف في هذه المرحلة على مفترق طرق، تتعدد أمامنا الخيارات والمسالك
وتتشعب المسارات، لاسيما ونحن نواجه تحديات جمّة غير مسبوقة تستهدف وجودنا،
وفي مجمل هذه الظروف القائمة أصبحت أرواحنا ووطننا وثرواتنا في أزمة بنيوية شاملة
وأصبحت جميع مظاهر حياتنا الاقتصادية ،الاجتماعية، الثقافية، السياسية،
المعرفية، مستهدفة بالإضافة لمنظومة القيم وطرق عيشنا ونمط حياتنا .
يقيناً بأنّ القوى
الطامعة والمهيمنة والتي تشكل منبع الأخطار والتحديات وبسبب كثرة نقاط ضعفنا وعدم
توفر الوعي الكامل والأحاسيس بالأخطار المحدقة والاستجابة الضعيفة أو ربما الغائبة
أو المُغيَّبة لنا لمواجهة الأخطار والأطماع والتحديات أسهمت في تحويل المخاطر من
تحديات طارئة وآنية وظرفية مؤقتة إلى تحديات مستمرة دائمة، تتعدد وتتنوع من حيث
الوسائل والصيغ والمصادر وتتكامل من حيث الغايات والأهداف.
واتفاقية سايكس بيكو ليست
ببعيدة، وكذا الإرهاب الموجه إلينا من كل الجوانب - إن المراوحة ومواصلة
السير بنفس النمط القديم والصيغ والوسائل والسبل المستخدمة والفعل والحركة التي
سادت مجتمعنا في الماضي لم تعد ممكنة أو تبنيها على الإطلاق، ففي ظل هذه الأوضاع
القائمة التي تتسم بالتباعد البيني والتجزئة والانقسام والتخلف والتبعية التي تخلو
من بعد النظر والصراعات البينية والهامشية التي أفرزتها تباين الرؤى في ظل غياب
الأمن والأمان والاستقرار تتقلص الاختيارات المتاحة ومظاهر القوى الفاعلة
والمؤثرة أمام التطلعات نتيجة لغياب مظاهر الوعي والإرادة .وبالتالي فهناك
خياران: إما البقاء في إطار هذه الأزمة والدوران والمراوحة في متاهاتها والعودة
إلى حالة أسوأ من سابقتها والبقاء في مسلسل من التراجع والفوضى والانحلال في
بوتقات الآخرين والضياع والاندثار بمزيد من تغييب الطاقات الموجودة وتبديد
الإمكانات وترسيخ الضعف والجهل والفساد للتحول إلى جزء من الماضي ( كان ياما
كان - كان في قديم الزمان ) . وإما
التأكد واليقين ببذل عمل شاق ودؤوب لتخطي وتجاوز الوضع المأساوي القائم إلى وضعية
جديدة ( التغيير والتجديد ) تنطلق من التفكير الواعي والهادف والرغبة بحسن
النوايا السليمة وبالشعور بالواجبات وأحاسيس بالأخطار المحدقة والسعي الدؤوب
والمستمر للكشف عن أسباب التخلف عن ركب الحضارة وعن أسباب الانقسام البيني وتأويل
هذا الانقسام وتعدد الانكفاءات وجميع أسباب التباعد والضعف والعوامل الدافعة
للتشتت والتبعثر التي تخلو فيها وحدة الرؤى والكلمة، وتتبع آثار هذه الأسباب الممزقة
لوحدة الصف وتوحيد الجهود، وتحديد الحلول المناسبة من خلال مقدمات سليمة وفرضيات
صحيحة ورؤى جامعة وخاضعة للتبديل والتصحيح في حوار وطني بنوايا صادقة وأمينة.
والشروع في عملية وعي وبناء جديدة تستند إلى
تخطيط جامع وطويل الأمد والأجل حسب متطلبات المرحلة العتيدة الراهنة، وباستشراف
مستقبلي واضح المعالم والعمل على صنعه وبنائه وتبنيه.
إن نظرة سريعة لتطلعات مكونات الشعوب وطموحاتهم الحالية
والمستقبلية والمنجزات الحضارية التي يطمحون إليها وخبراتهم المعممة تشكل منطلقات
قوية وراسخة وعوامل دافعة ومساعدة تمكن من مواجهة الأخطار والتحديات واستئصال
محاولات الهيمنة والسيطرة والرضوخ لأطراف جانبية طامعة، وهذه النظرة السريعة
والتأمل بها تمكننا من مواجهة الحالي السيئ وإلغاء مظاهر التباين في موازين القوى
الداخلية والقوى الخارجية، وهذا التأمل يقدم من المبررات ما يكفي لتوليد قناعات
راسخة بأن هذا الوضع المكتظ بعوامل التجزئة والتخلف والفساد واليأس والإحباط
وأزمات ومطاهر ضعف وتشتت وما نشهده من الأخطار والتحديات على سعتها الكبيرة وسمتها
لبست بالتأكيد ولا بمكن أن تكون نهاية المطاف. تؤكد تجارب
الشعوب وثوراتهم المتلاحقة مع سهم الزمن ضد الظلم والبغي والطغاة والإرهاب
والمحتلين وعدم رضوخهم لعوامل اليأس والإحباط وفقد الآمال، وكذلك إيمانهم بالصبر
والمثابرة تؤكد جازما بأن التاريخ لا ينتهي عند مرحلة زمنية محددة وأن الانتكاسات
لن تدوم للأبد وإن طالت، فالتاريخ مسار مفتوح ومستمر ومتجدد ولكن الخطر بل
الأخطر شيء هو أن ندرك ونقتنع بأننا قد وصلنا إلى الأوج وذروة الحضارة وأن نقتنع
بأن ما توصلنا إليه هو المطلب النهائي للحضارة البشرية أو التي ستحمينا من
التحديات والأخطار المحدقة، وأن يغشى سراب الخلود بصرنا وبصيرتنا، مثلما
أطلق عليه ( توينبي- سراب الخلود ). ومن وجهة
أخرى فالطامة الكبرى هي أن نيأس ونتقاعس ونقتنع بأننا ضعفاء لا يمكن أن نواجه
المخاطر وأن الضعف والتخلف هي حالة مطلقة تحتم علينا الخنوع وقبول وقائع الأمور
وعدم التخطي للحواجز، وهو ما سماه ( توينبي) بسراب الجمود . لو ألقينا نظرة عميقة
واعية لواقع شعوب الأرض فسنرى هناك دولاً عظمى كأمريكا وروسيا
مثلا ودولاً متوسطة القوة كدول أوروبا مثلا وشعوب مغلوبة على أمرها كشعوب
الشرق الأوسط مثلا , فسنرى ونتيقن بأن الشعوب
التي تفترض أن نضالها قد انتهت كونها وصلت إلى ذروة الحضارة وأنها حققت إنجازات
حضارية نوعية كبيرة، أو لأنها تعيش في حاضرها أزمات بنيوية متعددة ، سياسية ،
اقتصادية ، اجتماعية ، ثقافية ، حضارية ، ففي الحالتين نجد 1- حالة بلوغ الذروة . 2- حالة الدوران في القاع . هي دائما شعوب تعيش في أزمات حقيقية وليست أزمات عارضة
ستزول بعد فترة من الزمن ولا شك
فإن هكذا شعوب سيكون وجودها واستمراريتها ومصيرها في خطر حقيقي قادم لا محالة ، بل
ربما تصبح على حافة الانهيار قريباً ، وفي الختام : المعطيات التاريخية لدى
أي شعب في أي زمان وأي مكان هي معطيات نسبية وليست مطلقة سواء أكانت إيجابية أم
سلبية وسواء أكانت تلك الشعوب ذات حضارة عامرة حاضرة أو ضعيفة وهزيلة ومتخلفة . وبالتالي ليس هناك
استثناء أو مبرر للتقاعس ، فالتاريخ نسبي وليس مطلق . وربما الأضعف يصبح هو
الأقوى إن خرج من جحره وانتفض الغبار المتراكم عليه ورفض الذل والخنوع واليأس
والإحباط .
ليست هناك تعليقات: