عيد نوروز (21 آذار) والتقويم الكوردي وأسطورة (كاوه الحدّاد) و (الضحاك) "أژدهاك")
مهدي كاكەيي
لماذا يصادف عيد نوروز في 21 آذار؟
الحادي والعشرون من آذار له خلفية ميثولوجية ودينية عريقة في التاريخ الكوردي.
1. يُصادف 21 آذار عيد (أكيتي (Ákiti) السومري. كانت تُقام في كافة أنحاء سومر مهرجانات مُهيبة للترحيب بالإله السومري (نانا Nanna) والآلهة المحلية وإظهار الإحترام لهم [a]. تُشير النصوص السومرية الى أنّ عيد (أكيتي (Ákiti) كان يبدأ في الأول من شهر نيسان حسب التقويم السومري من كل عام. يوم 21 مارس/آذار هو رأس السنة الكوردية (عيد نوروز) الذي يصادف الأوّل من نيسان حسب التقويم السومري. هذا يعني أن عيد نوروز يصادف يوم عيد (أكيتي) السومري الذي كان يُقام في الأول من نيسان من كل عام حسب التقويم السومري، وبذلك فأن عيد نوروز هو إمتداد لِعيد (أكيتي) السومري.
كانت إحتفالات السومريين بهذا العيد تستمر لمدة أحد عشر يوماً [1].
2. كان لأسلاف الكورد الهيتيين مهرجان يُقام في بداية فصل الربيع (21 آذار)، إسمه (أزن پورولي Ezen Purulli) أو (أزن وورولي Ezen Wurulli) وكان تتمّ إقامته في مدينة (نيريك Nerik). كان يتم الإحتفال بالإعتدال الربيعي كطقوس للخصوبة، حيث كانت تُقام الإحتفالات وتنتهي بزواج مقدس. كان الغرض من المهرجان هو تنشيط الأرض والتغلب على ركود الشتاء [b]
في الأساطير الهيتية، كان هناك إله تنين أفعى يحكم البحار. غالبًا ما كان يُعتقد أن المياه الهائجة وفيضانات الأنهار ناتجة عن تنانين قوية مثل التنين (إلويانكا Illuyanka)، حيث أنّ هناك العديد من الأساطير حوله، بما في ذلك محاربته لإله العاصفة (تيشوب Teshub)، والتي ينتهي صراعهما بِتغلب هذا الإله على التنين.
يوم إنتصار إله العاصفة (تيشوب) على التنين (إيلويانكا) وزواجه من الإلهة (هيبات)، أصبح يوماً لرأس السنة الهيتية الذي يصادف (21) الحادي والعشرين من آذار وعيداً وطنياً لِبلاد الهيتيين، حيث كان يُحتفَل به من قِبل الشعب الهيتي في مختلف أرجاء البلاد من خلال إقامة المهرجات وتقديم القرابين من الحيوانات والطيور وإشعال النيران في جميع أنحاء الإمبراطورية الهيتية وأنّ النيران كانت ترمز الى الشعلة النارية لإله العاصفة (تيشوب).
نرى أن أسطورة (كاوه الحداد) و (الضحاك) هي نسخة طبق الأصل من عيد (أزن پورولي Ezen Purulli) الهيتي، حيث أنّ (كاوه الحداد) يُمثّل إله العاصفة (تيشوب) وأنّ (الضحاك) يُمثّل بِدوره التنين (إلويانكا Illuyanka)، وأن في أسطورة (كاوه الحداد) و (الضحاك)، ينمو ثعبانان على كتف الضحّاك. إنّ إشعال نيران نوروز هو إمتداد لإشعال النيران الهيتية التي كانت ترمز الى الشعلة النارية لإله العاصفة (تيشوب).
لا تزال الكلمتان الهيتيتان المركبتان لإسم هذا العيد، (أزن پورولي Ezen Purulli)، باقيتَين في اللغة الكوردية وتعطيان نفس المعنى، حيث أن كلمة (أزن) الهيتية والتي تعني (عيد)، تحولت الى (جەژن Cejin) في اللغة الكوردية وأنّ كلمة ("پور pur" أو "وور wur") تعني في اللغة الهيتية (الأرض) أو (الوطن). تحولت هذه الكلمة في اللغة الكوردية الى (وار War) التي تعني أيضاً (الأرض) أو (المكان) وبذلك فأنّ (أزن وورولي Ezen Wurulli) تعني (عيد الأرض) المرتبط بالموسم الزراعي وإحياء الأرض في فصل الربيع.
3. يوم نوروز، رأس السنة الكوردية، يُصادف يوم قيامة إله الشمس الميتاني (ميثرا) في يوم الحادي والعشرين من آذار/مارس.
4. في عقائد الأديان الكوردية، تنتقل روح الإنسان المتوفي الى جسم شخص آخر من خلال تناسخ الأرواح بعد 21 يوماً من وفاة الإنسان. (21) شعاع للشمس التي تتوسط عَلَم كوردستان الحالي، هو رمز لِولادة الأمة الكوردية وولادة هويتها ونهضتها وحضارتها من جديد، كما هي في عقائد الأديان الكوردية ويرمز أيضاً الى يوم نوروز.
5. إنّ مُجدّد دين يارسان (سان سَهاك) الذي تتجسد فيه الذات الإلهية تبعاً لِظاهرة التقمّص، هو مولود في 21 آذار. عندما كان (خاوەنكار Xawenkar) أي (الإله) في دين يارسان بِصيغة (يا)، كان داخل دُرّةٍ، وبإرادته وفي ظل نوره، إنفجرتْ الدُرّة ونتج منها (خاوەنكار Xawenkar). خروج الخالِق من الدُرّة كان في 21 آذار الذي بدأ في هذا اليوم خلق الملائكة والكون والأحياء. هذه القصة اليارسانية مطابقة لِقصص خلق الكون في الأديان الكوردية الأخرى. هكذا نرى أنّ يوم 21 آذار هو أعظم وأقدس يوم في حياة البشرية بشكل عام وفي حياة الشعب الكوردي بشكل خاص، حيث أنه يوم بدء خلق الكون والإنسان والأحياء الأخرى.
يبدأ التقويم الكوردي من سنة 700 قبل الميلاد الذي هو تاريخ تأسيس مملكة ميديا من قِبل (دێئاكۆ Dêako) التي أصبحت إحدى أعظم الإمبراطوريات في منطقة غربي آسيا واستطاعت بالتحالف مع البابليين في إسقاط أوحش إمبراطورية في ذلك الوقت، ألا وهي الإمبراطورية الآشورية.
كما أنّ أسلاف الكورد الساسانيين أطلقوا على عَلَم إمبراطوريتهم إسم (كاويان) وأنّ كلمة (كاويان) مأخوذة من إسم البطل الأسطوري الكوردي (كاوه) الحداد الذي جعل من صدرية حِدادته عَلَماً وقام بمطرقة حِدادته بِقتل الملِك الظالم (أژدهاك) الذي يُطلِق عليه العرب إسم (الضحاك) وحرّر الشعب الكوردي من مظالم وشرور هذا الملِك الأجنبي. من الجدير بالذكر كان إرتفاع العَلَم (12) ذراعاً وعرضه [8] ذراع وكان مصنوعاً من جلد النمر ومرصعاً بالياقوت واللؤلؤ والمجوهرات.
كما رأينا أعلاه أن عيد نوروز في 21 آذار له جذور عميقة في الميثولوجيا والأديان الكوردية. كما أن التقويم الكوردي يبدأ من سنة 700 قبل الميلاد الذي هو تاريخ تأسيس مملكة ميديا من قِبل (دێئاكۆ Dêako)، ولا يبدأ التقويم الكوردي من تاريخ سقوط ميديا الذي حصل في سنة (550) قبل الميلاد وتمّ خلاله قتل (أستياگ) الذي كان آخر ملِك للإمبراطورية الميدية. نرى كذلك أنّ أسلاف الكورد الساسانيين تبنّوا إسم البطل الأسطوري الكوردي (كاوه) إسماً لِعَلَم الإمبراطورية الساسانية. كان الپروفیسور (مهرداد إيزادي) قد ذكر أن (الضحّاك) قد يكون الملِك الميدي (أستياگ). واستناداً على قول (مهرداد)، نشر الدكتور (أحمد خليل) مقالاً بعنوان "إلى متى نُؤبْلِس ملكَنا العظيم أَزْدَهاك في نوروز؟" يؤيد فيه كون (الضحاك) الملِك الميدي (أستياگ). هكذا نرى أنّ إجتهاد كل من الدكتور (مهرداد) والدكتور (أحمد) لا أساس له من الصحة. لذلك ينبغي الإبتعاد عن تشويه التاريخ والتقويم الكوردي وعدم تبشيع صورة الثائر الكوردي البطل الإسطورة (كاوه الحداد) وعدم إثارة الشكوك حول العيد القومي الكوردي والعيد الوطني الكوردستاني الذي هو تخليد وتمجيد للنضال الكوردستاني ويُمثّل جزءاً مهماً من الهوية الكوردستانية.
إنّ نجاح الشعب الكوردي في إيجاد عيد قومي له وجعله رأساً للسنة الجديدة والمرتبط بتأريخه العريق، هو إنجاز عظيم للأمة الكوردية، حيث أصبح نوروز رمزاً وطنياً وقومياً يُعبّر عن هوية الأمة الكوردية والشعب الكوردستاني وإلهاماً للنضال للتمتع بِحُريته وتحرير وطنه، فيتغنّى بِنوروز وبِنيرانه الشعراء والمغنون ويحتفي الصغار والكبار بهذا الرمز القومي الكوردي والوطني الكوردستاني الذي أصبح أيضاً إلهاماً لإبداعات الفنانين والرسّامين والكُتّاب.
ليست هناك تعليقات: