الفيدراليّة: حلٌّ سياسيٌّ لسوريا المتعددة الأعراق والطوائف
المحامي أكرم شمو
في ظل التعقيدات
السياسية والجغرافية التي تواجه سوريا ومع تعثّر النظام المركزي في تحقيق العدالة
والاستقرار يبرز النظام الفيدرالي كأحد الحلول السياسية الأكثر مرونة لإدارة
التنوع القومي والثقافي في البلاد.
الفيدراليّة، التي
أثبتت نجاحها في العديد من دول العالم تقدّم نموذجاً يمكن لسوريا أن تستفيد منه في
بناء دولة قوية ومتوازنة.
ما هي الفيدراليّة؟
الفيدرالية لغةً
تعود إلى الكلمة اللاتينية "foedus"، وتعني الاتفاق أو المعاهدة.
أما اصطلاحاً: فهي نظام سياسي وإداري يعتمد على توزيع الصلاحيات
بين حكومة مركزية وحكومات محلية (أقاليم أو ولايات) ضمن إطار دستوري يحدّد مسؤوليات كلّ طرف.
الهدف من هذا النظام ليس تقسيم الدولة بل تعزيز التعاون بين الأقاليم والحكومة المركزية بما يحافظ على وحدة الدولة وسيادتها.
أشكال الفيدرالية:
الفيدرالية تأتي في شكلين رئيسيين، ولكلّ منهما خصائصه وأهدافه:
1ـ
الفيدرالية الجغرافية:
تقوم على تقسيم الدولة
إلى أقاليم بناءً على اعتبارات جغرافية وإدارية مثل المساحة وعدد السكان دون الأخذ
بعين الاعتبار الهوية القوميّة أو الثقافيّة.
هذا النموذج يهدف
إلى تعزيز الكفاءة الإدارية وتحقيق تنمية متوازنة.
أمثلة على الفيدرالية الجغرافية : الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا.
2ـ
الفيدرالية السياسية (القومية):
تقوم على تقسيم
الدولة بناءً على الهوية القومية أو الثقافية للمُكوِّنات المختلفة لضمان تمثيلها
العادل وحماية حقوقها.
أمثلة على الفيدرالية الجغرافية : بلجيكا التي تعتمد على الفروق اللغوية والثقافية، والبوسنة والهرسك التي تُدار فيدرالياً لتقاسم السلطة بين المُكوِّنات العرقية.
تختلف الفيدرالية
الجغرافية عن السياسية في جوهر التقسيم, الأولى تهدف إلى
تحقيق عدالة تنموية وكفاءة إدارية بينما تركّز الثانية على إدارة التنوّع القومي
وحماية حقوق الأقليات.
في الوقت نفسه، تواجه الفيدرالية السياسية تحديات أكبر مثل مخاطر الانفصال إذا لم يتم إدارة التوازن القومي بحكمة.
آلية تكوين الفيدرالية :
تتشكل الفيدرالية بطرق مختلفة، أبرزها:
1ـ الاتفاق الطوعيّ بين الأقاليم أو المُكوِّنات لتشكيل اتحاد فيدرالي وفق إطار دستوري. مثال ذلك الولايات المتحدة الأمريكية حيث اجتمعت الولايات طوعاً تحت دستور اتحادي.
2ـ التدخل الخارجي أو الوساطة الدوليّة كما حدث في البوسنة والهرسك عقب الحرب حيث فرضت الفيدرالية كحل سياسي لإدارة التنوع .
3. الإصلاح الداخلي، ويتم من خلال تعديل الدستور المركزي وإعادة توزيع السلطات وهو السيناريو الأقرب لسوريا في حال التوافق السياسي.
نماذج عالمية ناجحة:
النظام الفيدرالي
أثبت نجاحه في إدارة التنوّع والتحدّيات الداخلية في عدّة دول إقليمية ودولية منها
:
الإمارات العربية المتحدة: رغم تمتعها بوحدة قومية، تمثل نموذجاً عربياً لاتحاد سبع إمارات تتمتع باستقلالية إدارية، مع وحدة تحت حكومة اتحادية مبنية على أساس جغرافي.
سويسرا: فيدرالية قائمة على التنوع اللغوي والثقافي عبر 26 كانتونًا يتمتع كلٌّ منها بصلاحيات واسعة.
الهند: مثال حي على نجاح الفيدرالية في دولة
متعددة الأديان واللغات.
ألمانيا: نموذج يُظهر التوازن المثالي بين
الاستقلال المحلي والقوة المركزية.
الفيدرالية في السياق السوري:
سوريا، بتنوّعها
القوميّ والطائفيّ، عانت منذ عقود من فشل النظام المركزي في تحقيق استقرار شامل ما
زاد من الانقسامات وهدّد وحدة البلاد.
الشعب السوري مكوّن من (الأكراد، العرب، الآشوريون، التركمان وغيرهم) يشكل نسيجاً متنوعًا يحتاج إلى إدارة خاصة لضمان تحقيق العدالة والمساواة.
الفيدرالية يمكن أن تكون حلاً عملياً لسوريا عبر:
1ـ تعزيز الوحدة الوطنية: الفيدرالية ليست خطوة نحو الانفصال، بل إطار قانوني يمنح الأقاليم استقلالية إدارية مع الحفاظ على وحدة الدولة.
2ـ إدارة التنوّع: تمكين المكونات المختلفة من إدارة شؤونها المحلية بما يتناسب مع خصوصياتها الثقافية والقومية.
3ـ توزيع الموارد بعدالة: ضمان استفادة جميع المناطق من الثروات الوطنية بشكل متساوٍ وعادل.
4ـ تقليل النزاعات: عبر إشراك الجميع في عملية اتخاذ القرار السياسي، وهو أحد أهم عناصر تمتين الدولة.
الفيدرالية
قوة لا انفصال
تؤكد تجارب مثل
الإمارات وسويسرا وألمانيا أنّ الفيدراليّة تعزّز الشراكة بين الأقاليم وتجعل
التنوّع الثقافي والقومي مصدر قوة للدولة.
أما النظام
المركزي، فقد أثبت فشله في سوريا خلال العقود الماضية إذ زاد الوضع تعقيدًا لدرجة
أن استمراره بات شبه مستحيل
خاتمة القول:
الفيدرالية ليست
مجرد تقسيم إداري بل رؤية سياسية لإدارة التنوع وتحقيق الشراكة الوطنية.
وهي تختلف عن اللامركزية الإدارية التي توزع
السلطات الإدارية فقط إذ تشمل الفيدرالية توزيع السلطات السياسية والإدارية
والمشاركة في القرار السياسي.
سوريا بحاجة إلى نظام يضمن التوازن بين المركز
والأقاليم يحمي حقوق جميع مواطنيها ويضع حداً للصراعات التي أثرت على استقرارها
لعقود.
الفيدرالية قد تكون المفتاح لإعادة بناء الدولة السورية على أسس أكثر عدلاً وشمولاً.
لإرفاق مصادر محددة تدعم المقال يمكن الاستعانة بما يلي:
١- كتب ومراجع نظرية حول الفيدرالية:
Ronald L. Watts – Comparing Federal Systems، 2008.
Daniel J. Elazar – Exploring Federalism، 1987.
Alfred Stepan –
Federalism and Democracy in Multinational States، 1999.
-تقرير مركز كارنيغي للشرق الأوسط: إعادة بناء سوريا: البحث عن نموذج سياسي جديد، 2016.
-دراسة مركز حرمون للدراسات المعاصرة: النظام الفيدرالي وإدارة التنوع في سوريا 2018.
٣- تجارب فيدرالية ناجحة:
دستور الإمارات العربية المتحدة النسخة المعتمدة لعام 1971 والمحدثة لاحقاً.
دستور سويسرا: Swiss Federal Constitution، الصادر عام 1848 والمعدل لاحقاً.
التجربة الهندية: Constitution of India، الصادر عام 1950.
٤- تقارير أممية حول الفيدرالية وإدارة التنوع:
UN Guide on
Decentralization and Federalism، إصدار الأمم المتحدة، 2007.
-تقرير معهد السلام
الدولي (IPI): Federalism and Post-Conflict Reconstruction، 2014.
٥- مقالات أكاديمية ومنشورات دولية:
مقال في Middle East Journal: "Federalism as a Solution to Sectarian Conflicts in the Middle East"، 2016.
دراسة منشورة في Journal of Federal Studies: "The Role of
Federalism in Multinational States"، 2015.
ليست هناك تعليقات: