ثقافة الجهل والتجهيل توّلد الكراهية المجتمعية - اتحاد كتاب كوردستان

728x90 AdSpace

شائع
الثلاثاء، 1 أبريل 2025

ثقافة الجهل والتجهيل توّلد الكراهية المجتمعية


         ثقافة الجهل والتجهيل توّلد الكراهية المجتمعية

Pênûsa Azad-20-2025


عزالدين ملا

حتى الآن معظم الناس في منطقة الشرق الأوسط عامة وسوريا على وجه الخصوص، لا يعلمون إلى أي حد، أن ألفاظهم وكلماتهم التي تخرج من أفواههم أكثرها تدخل في خندق خطاب الكراهية، يأتي أحدنا ويقول، كيف؟

 للخوض في غمار هذا الموضوع الشائك، والذي يبدأ من الشخص نفسه ومن ثمّ الأسرة الواحدة وبعدها المدرسة والحي والحركات السياسية والمجتمع ككل.

للخوض في موضوع خطاب الكراهية نبدأ بقصة أسطورية، تقول القصة: إنّ أحد الشياطين أراد ان يختبر تلاميذه الصغار في خلق الدسائس والفتن بين الناس وكيفية الوسوسة، وتوجهوا معاً إلى قرية هادئة مسالمة أفرادها يحبون بعضهم بعضاً  ويتعاونون في كل شيء، وقال الشيطان الكبير لأحد تلاميذه من الشياطين الصغار ، اذهب وأرنا ماذا تعلمت من دروسي؟

 ذهب الشيطان الصغير ودار حول القرية عدة مرات، فوجد بقرة مربوطة بجانب أحد المنازل، فما كان منه إلا وفك رباط البقرة وتركها، فدخلت البقرة في بستانٍ قريب، وما كان من صاحب البستان الذي لم يحتمل غضبه ذلك الأمر، إلا وقام بضرب البقرة وكانت الضربة قاتلة فماتت. وهكذا حدثت بلبلة بين ساكني القرية والتي تحولت إلى صراعات ومنازعات أحدثت فوضى وعدم الاستقرار، وعندما عاد الشيطان الصغير سأله الشيطان الكبير ماذا فعلت حتى أحدثت كل هذه الضجة والصراع، قال الشيطان الصغير لم أفعل شيئاً سوى فك رباط البقرة.

وهكذا يكون خطاب الكراهية، عند إلقاء الكلمات دون دراسة أبعادها الكارثية سيحدث شرخاً وانقساماً ضمن الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد، وهذا ما حصل ويحصل في سوريا من فوضى وانقسامات نتيجة السياسات البينية والتصريحات الإعلامية غير المدروسة وغير المسؤولة من قبل المسؤولين والقيادات من كافة الأطراف السورية وكذلك المصطلحات التي تلقى في المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة ووسائل التواصل الاجتماعي هكذا دون إدراك أبعادها الكارثية وتداعياتها على مستقبل المجتمع السوري عامة.

سنبدأ من العنوان العام لسوريا، الجمهورية العربية السورية، عندما تتغنّى سوريا بتنوعها ويتغنى السوريون بأطيافهم و قوميّاتهم وأديانهم المتنوعة، هذا يعني أن سوريا جميلة بذلك التنوع، ولكن أن يتمسك طيف واحد أو قومية واحدة بذكر اسم سوريا تحت يافطتها، هذا يعني الإقصاء والتهميش لباقي الأطياف والقوميات، وهذا يدخلها ضمن خطاب الكراهية، لأن التهميش والإقصاء والتمييز من أكثر صفات الكراهية سوءاً، بما أن سوريا جميلة بكوردها وعربها وآشورها وسريانها ودروزها وإيزيدييها، هذا يعني بإزالة كلمة العربية من اليافطة السورية يتم المحافظة على جماليتها، أنّ ذلك ليس انتقاصاً من القومية العربية بل تزيدها قوة وروعة.

ثم ننتقل إلى الاتهامات التي تلقى من جميع الأطراف جزافاً دون مسؤولية ضد من يخالفهم بالعمالة والخيانة هكذا دون أدلة يعمق خطاب الكراهية، كما ويوجه سهام الكراهية إلى مهنة الإعلام أيضاً عندما يدخل الإعلام في مستنقع خطاب الكراهية وتداوله لتلك الألفاظ دون صحة المصدر أو على لسان فلان أو علان من الشخصيات التي من الممكن تكون غايته التشويه والتوريط، فيكون الإعلام قد تورط فيها إن كان بقصد أم بغير قصد فهذه مصيبة وأمَّا إذا كان عن قصد فتلك المصيبة العظمى، ويُحدِث حالة من الاشمئزاز ضمن فئات المجتمع نحو الوسائل الإعلامية، وفي كثير من الأحيان يدفع بالكثيرين من المجتمع السوري الابتعاد عن الفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى في كثير من الأحيان يبتعدون عن معظم القنوات التلفزيونية لِما أحدثته من حالة عدم الرضا مما يتم نشره من محتوى. فالمفردات والمصطلحات كـ المرتزقة والخيانة والعمالة باتت تمثل قاموساً تُبنى عليها خطاب العنف ضد شخصيات سياسية أو إعلامية أو قيادية وحتى شخصيات عامة وشعبية لغاية إسقاطهم من عيون الشعب وعن دورهم ومكانتهم للمضي قدماً في قضايا المجتمع والوطن، طبعاً هذا الفعل يحدث عن دراية وغايات مبيّتة مدروسة لإحداث شرخ بين المجتمع وهذه الشخصيات لتمييع قضية الشعب السوري الرئيسية والإبقاء على حالة الفوضى لسهولة السيطرة والنهب. كما فعله الشيطان الصغير بفكه لرباط البقرة، يقول وكأنه لم يفعل شيئاً، هكذا هي العبارات التي تنطلق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقول أحدهم: لم أقُل شيئاً وإنما فلان قال أو أخذته من المكان الفلاني، لهذا نسمع أو نرى كثيراً عبر وسائل الإعلام وعلى وجه الخصوص  وسائل التواصل الاجتماعي عبارات ومصطلحات تطلق بقصد الكراهية والتهكم والتحقير ضد مجموعات اجتماعية ودينية وعرقية وقومية بالعموم، دون الإدراك في بُعدها الكارثي الذي يترتب في تراكماتها السيئة مستقبلاً.

ولهذا علينا التركيز على العبارات والمصطلحات التي تتناول دعوات لـ ( القتل والعنف والانتقام والإقصاء والتحقير والتمييز والسب والشتم والعمالة والخيانة)  التي نجدها في صلب خطاب الكراهية بما ينتجه من ردود أفعال عنيفة تؤدي إلى الفعل المادي العنفي المباشر.

تزامنت هذه المصطلحات مع الأزمة السياسية التي عصفت وتعصف بالبلاد، ونتيجة الممارسة في استخدام هذه العبارات حتى أصبحت جزءاً من اللغة والثقافة لدى البعض. وتصبح تلك المنشورات التي هي عبارات الكراهية تتلقى تفاعلات كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ويتم إعادة نشرها  وهي التي غالباً ما تكون ساحة للنقاش العنيف بين المتابعين.

إهمال معالجة مشكلة ما، يؤثر على تصرفات الناس

عند إهمال مشكلة ما وإن كانت صغيرة سيؤدي إلى تراكمات تكون عواقبها وخيمة على البيئة الاجتماعية، وهذه المشاكل النفسية كانت محل اهتمام العلماء، كما النظرية النافذة المكسورة لـ عالم النفس والاجتماع فيليب زمباردو والتي تعد من أشهر التجارب في دراسات العلوم الاجتماعية، فقد قام زمباردو بكسر إحدى نوافذ السيارة وركنها في أحد الأحياء، فبدأ الناس بكسر المزيد من النوافذ وسرقة السيارة وتحويل السيارة بالكامل إلى خردة في بضعة أيام، تُعبّر النظرية إلى أن إهمال معالجة أي مشكلة في بيئةٍ ما – بغض النظر عن صغر حجمها – سيؤثر على مواقف الناس وتصرفاتهم تجاه تلك البيئة بشكلٍ سلبي مما يؤدي إلى مشاكل أكثر وأكبر، والعكس صحيح أيضاً، فمعالجة المشاكل الصغيرة في وقت سريع سيؤدي إلى بيئةٍ أفضل وسلوكٍ أحسن.

وعليه، يتطلب التركيز على هذه المصطلحات الدالة على الكراهية، ونبحث عن جذورها التي تستمد قوتها وانتشارها- إما أن تكون أحكاماً وفتاوى فقهية دينية متطرفة كما رأينا ولاحظنا خلال سيطرة داعش على مناطق واسعة من سوريا والعراق والمجازر المروعة التي لحقت بالإيزيديين، أو أحكاماً وأفكاراً عنصرية وتعصبية والتي تخرج من الجهات السورية المتعددة ضد الأقليات أو المكونات التي يتمتع بها المجتمع السوري- نتيجة تبنيها شخصيات سياسية عبر منابر إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي والانترنيت. هذه العبارات باتت تمثل قاموساً في نقاشات العامة على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن ثم يأتي الأفراد والمجموعات بإعادة تدوير هذه العبارات عبر منشوراتهم ضمن صفحات حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو لفظية عبر نقاشات مرئية أو مسموعة.

وفي الوقت نفسه، يستخدم البعض حقه في حرية التعبير للترويج لمعلومات خاطئة حول مجموعة ما لإحداث سوء تفاهم وعدم الثقة، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى التمييز والعنف. وقد يحصد هذا الخطاب للأسف شعبية كبيرة.

خطاب الكراهية واسباب تعمّقها

شهدت سوريا خلال سنوات الأزمة مذابح مروعة ومجازر طائفية متعددة، استخدم الرئيس النظام السوري المخلوع بشار الاسد ورموزه كلمات الجراثيم والمندسين والمخربين في وصف المعارضة. وفي المقابل أيضاً استخدم رئيس الائتلاف السوري المعارض أسعد الزعبي ورموزه في وصف الكُرد بالحشرات والعملاء والخونة لتجييش السوريين ضدهم وخلق حالة من الكره والاحتقان بين الكُرد  والأطياف السورية.

شخصيات فيسبوكية وبعض الصحفيين والإعلاميين الذين روّجوا لهذه المصطلحات. كانوا بمثابة  وسائل إعلام  تابعة  للنظام وللمعارضة بأنواعها وقد لعبوا دوراً كبيراً  في ترسيخ هذه المصطلحات والتي أججت  الوضع.

إنّ وسائل الإعلامية بتفرعاتها المرئية والمسموعة والمقروءة  من أبرز العوامل التي ساهمت في هذا الخطاب,  نتيجة تهافت الشباب والشابات بشكل كبير على مهنة الصحافة لغاية العمل فقط دون الخوض في التدريبات المهنية والأخلاقية.

 إنّ وسائل الإعلام هي بالأساس  رسالة وليست غاية، علينا التفريق بين الرسالة والغاية، فالمؤسسات الإعلامية العاملة في مناطقنا ركزت على دعم الإعلاميين والصحفيين في توفير الدعم المادي دون الدعم المهني في تعزيز الخبرات المطلوبة في العمل الصحفي وعدم تجاوز أخلاقيات المهنة والعمل دون استغلاله ليكون منبراً لخطاب الكراهية.

ومن أسباب الكراهية أيضاً الجهل وقلة الفهم. لذا نحن بحاجة إلى تدابير عديدة كتعليم أفضل ومساحات لنقاش مفتوح ومتين، فضلاً عن إعلام يتسم بالتنوع والتعددية ويعطي تمثيلاً أفضل لجميع التيارات والأطياف المجتمعية وخاصة الذين يتعرضون للتهميش. والعمل على توعية المواطنين ليدركوا مدى قدرة السياسيين في استخدام الكراهية لتقسيم المجتمع، والعمل على تعزيز القدرة على التحمل والاعتراض والمواجهة.

بعض معايير السلامة والمتداولة كـ صحفي

في البداية العمل على تقييم أهمية الخبر إزاء التحريض المحتمل على العنف الذي قد ينطوي عليه، والمحاولة على كتابة الأخبار من زاوية تؤدي إلى الترويج للسلم المجتمعي وحمايته، وعدم نشر أي محتوى يحث على التعصب والعنصرية والتهميش و التعذيب والمعاناة وغيرها من مصطلحات الكراهية، ومعرفة السياق من أجل تمييز الأجندات وتفادي الانجرار وراء الشعارات الوطنية ذات الأهداف التمييزية الخفية، وعدم استخدم الأمور الخلافية والإثارة لمجرد زيادة المشاهدات والتعليقات.

المؤسسات والمنظمات وآليات تخفيف خطاب الكراهية

يقع على عاتق النقابات والاتحادات والشبكات الإعلامية والمجتمعية في تخفيف هذه الظاهرة السلبية، والمبادرة تبدأ من كتاب ومثقفين وأصحاب شهادات أكاديمية، هم أيضاً معنيون بتوجيه الفعاليات المجتمعية في المنطقة إلى محاربة خطاب الكراهية، ويبدأ ذلك بالتثقيف والوعي، وذلك عن طريق، تنظيم محاضرات وورشات عمل لتدريب الشباب والشابات حول قضايا تنمية ثقافة التسامح وقبول الآخر والمخاطر الكامنة وراء ازدياد خطاب الكراهية وانعكاساته على السلم والأمن المجتمعيين، والعمل على توجيههم في التمييز بين خطاب الكراهية والرأي, والقيام بحملات توعية لتحذير وتنبيه الصحفيين والإعلاميين بخطورة مثل هكذا مصطلحات على المجتمع لأنها تشجع على العنصرية, والتشجيع على مبادرات التواصل بين مختلف الأطياف وتبادل التجارب والأفكار.

 إن المجتمعات المتكاتفة للجميع والمرحبة بالنقاش تمتلك قدرة أكبر على مقاومة خطاب الكراهية.

ثقافة الجهل والتجهيل توّلد الكراهية المجتمعية Reviewed by Yekîtiya Nivîskarên Kurdistana Sûriya on أبريل 01, 2025 Rating: 5          ثقافة الجهل والتجهيل توّلد الكراهية المجتمعية Pênûsa Azad-20-2025 عزالدين ملا ...

ليست هناك تعليقات: