الامن القومي الكوردي
إبراهيم قاسم
إنّ دراسة تاريخية شاملة لمسار التطور التاريخي
للكورد تؤكد الوحدة الجغرافية والبشرية لكوردسان, وخارطة كوردستان لا تزال قائمة في
عهد السلطنة العثمانية حيث تم تجزئتها إلى أربعة أجزاء في اتفاقية سايكس وبيكو وبعد
عدة عقود من الزمن ونتيجة لعدم تمكن الكورد التواصل والاختلاط فيما بينهم حدثت
اختلافات - الوعي والثقافة - فيما بينهم
في الأجزاء الأربعة تبعاً لثقافة وهوية المستعمر.
فتمّ خلق نقاط ضعف كثيرة
ومختلفة بين هذه الأجزاء, ولعل أهم نقاط الضعف التي يمكن سردها ودون الوقوف عليها وبيان
سلبياتها هي سوء فهمهم للمفهوم العلماني, واعتباره كفراً وخروجاً عن الملة الدينية,
نتيجة صهرهم في البوتقة الدينية التي غرسها المستعمر في أفكارهم وعقيدتهم, وكذلك طبيعة تركيبتهم العشائرية
والقبلية والطبقية التي شغلتهم عن المسؤولية القومية والرغبة في التحرر.
أدى ذلك الفهم إلى تغييب الصورة المتكاملة للأمن
القومي أمام تعاظم التهديدات والمخططات السياسية المعادية, وتزايد مظاهر الانكفاء الجزئي
والتناقض على هذه الأرضية والسعي لحل مشاكل كل جزء بمعزل عن الأجزاء الأخرى, وتباين
الاستراتيجيات والحرمان من مرتكزات الالتقاء تبعاً لطبيعة المحتل في مرحلة عابرة في
سياق تطور البشرية التاريخي وعدم امتلاك ناصية الوعي والإرادة وتغيب القدرات على أرضية
التجزئة,
وكذلك حسن نواياهم غير السليمة بالوعود المضللة من
قبل المستعمر والمحتل, فكان فشل ثوراتهم سياسية لا عسكرية لافتقارهم للوعي والثقافة
وضعف بعد نظرهم لمجريات الأحداث والتخطيطات العدائية لهم وبقاء كل جزء منفرداً ومنعزلاً
عن بقية الأجزاء الأخرى وانحلاله في قوقعة
المحتل المعني.
لن نخوض في الماضي الأليم بل لابدّ لنا أن نسلط الضوء
على الحاضر ورسم المستقبل المنشود وتجاوز الواقع القائم والبحث المضني لإيجاد الحلول
العصرية السليمة بتحقيق الأمن القومي للكورد بما يتوافق مع الرؤى المجتمعية والقوانين
والصيغ الدولية القائمة وتطلعات الساسة المعاصرين, وبالتالي باتت قضية الأمن القومي
بالشكل الذي ترتأيه ضرورات المرحلة من أهم القضايا المركزية الملحة والتي لا بدّ أن
تشغل اهتمام كافة الإيديولوجيات واهتمام كل الذين يدورون في فلك السياسة وكذلك المستقلين
والمفكرين وذوي الكفاءات باعتبار قضية الأمن القومي مرتبط بوجود الأمة ومصيرها وبنوعية
وجودها في صيغة توافقية مجتمعية بما يرتأيها الأمن العالمي فبات الأمن القومي بكل المظاهر
العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية والعلمية والمائية والغذائية
والتقنية هو العامل الأساسي الذي يتوقف عليه ويرتبط
به حاضر الوطن ومستقبله في استرجاع الحقوق المغتصبة, وتحقيق موقع فاعل في المجتمع الدولي
لا سيما باستغلال المتغيرات الدولية المتسارعة وخاصّة المتغيرات التي قد تحجم دور الأطراف
المعادية لتحقيق الحرية لكل جزء من أجزاء الوطن الأم.
إن عودة سريعة إلى واقع تجزئة جغرافية كوردستان
بين ثلاث قوميات مختلفة في الثقافة والعرق فقد كان من الطبيعي أن تؤدي هذه المظاهر
التقسيمية إلى تباين الأهداف والاستراتيجيات في كل جزء رغم وحدة الطموح وحرمان الأجزاء
الأربعة من مرتكزات الالتقاء والتعاون والوحدة ممّا أدى إلى بروز نظرة ثنائية
لتحقيق الأمن القومي في الجزء الواحد أو في كامل مساحة الوطن الأم.
وهذه النظرة الثنائية ارتكزت على الوضع والواقع القائم
في كل جزء على حدة بما يحتويه من مظاهر التجزئة والتخلف الممنهج والتبعية لثقافة المحتلين
ومخططاتهم مما عرقل من امتلاك ناصية الوعي القومي ونزوع مستمر لتخطي عواقب التجزئة
ومرتكزاتها باتجاه تحقيق الوحدة القومية التي تعد ركيزة للأمن القومي.
فإذا ما اعتبرنا ما هو قائم الآن يعد مرحلة راهنة وعابرة
في سياق التطور التاريخي فيحتم علينا بالمقابل العمل الدؤوب والجاد والمسؤول لإيجاد
الأسس والعوامل اللازمة لتحقيق الأمن القومي في كل جزء ريثما تشمل كل الأجزاء في وحدة
شاملة وهذا لن يتحقق إلا إذا أخذنا بأسبابه ومتطلباته منذ الآن فالقرارات التي سنتخذها
ستحدد مسار حاضرنا ومستقبلنا وذلك بامتلاك ناصية الوعي والإرادة.
ليست هناك تعليقات: