تعدد الأنماط التعليمية -عبدالجبار قاسم
تعدُّد الأنماط التعليمية: لعلّ المجتمع البشري واتجاهه عالمياً ينحو إلى تلبية الطموحات والاحتياجات
الإنمائية الشاملة عن طريق أهم وسيلة وهي التعلم والتعليم لاسيّما في المدارس
والمعاهد والجامعات وبالنسبة للذين فاتتهم فرص الدراسة في المدارس لأسباب معينة،
يلجأ للتعليم خارج المدارس، وبشكل عام يلجأ للتعليم بأنواعه المختلفة ، المنظمة
وغير المنظمة ، من تربية مجتمعية وتربية إعلامية ، وتربية المجتمع المحلي, وتربية
التواصل عن بعد وغيرها من الأنواع ، التعلم والتعليم خارج المدارس بأنواعه
المختلفة يمكن أن يؤدي الغرض والرسالة وأن يصبح رديفاً وشريكاً أصيلا في العملية
التعليمية، وقد ينافس التعليم الأساسي المدرسي تنافسا شريفاً في تقديم خدمات
تربوية على مستوى أفضل وأداء كثير من المهن الصناعية والمدنية وغيرها من الأعمال
رغم أن التعليم خارج المدارس وبكل أنواعه ورغم شيوعه في كثير من المناطق والبلدان
لم يحصل بعد على الاعتراف الرسمي من قبل الحكومات المعنية ، علماً أن تاريخ
البشرية لكثير من الأقوام والشعوب يشهد ألواناً من الإنجاز التعليمي رغم استعمال
طرق الوسائل البدائية, وقد يكون من المجدي اللجوء إلى تأسيس نظام تربوي حديث العهد
يعترف بالتعلم على أساس الأداء الحقيقي الفعلي المتكرر بوصفه تطويراً لنظام - إعطاء
الأرصدة المعتمدة بناء على الاختبارات - وفي مثل هذا المنظور لا يهم كيف تعلَّم
هذا الفرد أو ذاك؟ أو أين تعلَّم ؟ بل المهم كيفية جدارته وإتقانه وخبرته وما مدى
مستوى تعلمه، وأن يصبح هذا الشرط ، شرطاً كافياً للاعتراف الكامل بالتربية
اللامدرسية دراسياً وتشغيلياً، فيؤمِّن ويحقق استفادة كبرى من كامل الموارد
البشرية التي تدرس وتتعلم خارج المدارس ويضمن مستقبلاً تنامي مختلف أنماط التربية
اللامدرسية وقد تحل تدريجياً لا سيما في ظروف خاصة محل كثير من المؤسسات التعليمية
الحالية.
التربية المجتمعية : إذا تجاوزنا إطار المدارس سنجد مجالات رحبة للتعلم والتعليم خارجها
كالتربية العفوية والعرضية التي تجري بطريقة طبيعية في المجتمع باستمرار .، فهي
عبارة عن حصيلة ما يجنيه الفرد من تعلم بمجرد عيشه في بيئة معينة وفي مجتمع معين
وفي زمن معين وذلك يتعلق بمدى الاكتساب المباشر لألوان التفكير والفعل والسلوك
وتبني المعايير واتخاذ المواقف واعتناق القيم، إنها التربية الطبيعية التي لا
تجاري كيفية دخولها إلى النفس دون استئذان، وفي بناء آثارها فيها بشكل كبير إلى
درجة يتعذر معها على أقوى البرامج التربوية أن تقتلعها وتحل تربية أخرى محلها فهي
موئل كبير للتنشئة الاجتماعية والأخلاقية ،ومن المؤكد أنه يمكن مبدئياً معاودة
تنظيم التربية المجتمعية في مشاريع وميادين كبرى انطلاقا من تربية المجتمع المحلي
كي تخدم أهدافا متنوعة إذا شئنا ضمان حدوث التغيير وإن لم يكن ذلك بالأمر اليسير،
فكلما سارت التربية المدرسية النظامية على هدى التربية المجتمعية واقتربت من
أنماطها كانت أكثر قبولاً وفعالية ورسوخا وقد تكون التربية المجتمعية على عسر تعديلها
وطول الزمن الذي يقتضيه ذلك التعديل هي البديل المستقبلي الأكبر لتحقيق الأهداف
التربوية الاجتماعية الكبرى كتطوير نوعية الحياة، أما بالنسبة لتربية البيت فهي
جزء من التربية المجتمعية وهي بالغة الأهمية قديماً وحديثاً واكتسب هذا النوع من
التربية اهتماماً كبيراً بعد أن أظهرت البحوث ، المحمولات الاجتماعية والوجدانية
والمعرفية التي يستقبلها الطفل من البيت والمجتمع ويخل بها ساحة التعلم ، كما
أظهرت بحوث أخرى أهمية التأثير الذي تتركه خدمات وتصرفات الأهل في أداء أولادهم في
المدارس وخارجها وطالما لعب الأهل أدواراً مهمة في تدريس أولادهم وتوفير الدعم
الأكاديمي والمعنوي لهم ورعاية سائر شؤونهم المدرسية ، وكذلك ضرورة تبني التعلم
المستمر مدى الحياة لاستيعاب مستجدات المعرفة في مواجهة مواقف الحياة وتطور
المعلومات بسرعة هائلة وتتأكد هذه الضرورة كتوجه مستقبلي في التعليم استجابة
لطبيعة المراحل القادمة التي تتدفق وتتضاعف فيها المعرفة بسرعة هائلة واللحاق
بالتكنولوجيا التي تشهدها البشرية في عصر المعلوماتية واستيعاب المعلومات المتجددة
واستخدام مهاراته بشكل ابتكاري للارتقاء بأدائه من مستوى إلى سوية أعلى, ويتميز
التعلم مدى الحياة في عصر المعلومات مرونة لم يعهدها اي نظام تعليمي في صورته
التقليدية من قبل ، وخاصة في مجال افتتاحه على مصادر المعرفة مما يؤدي إلى تكوين
علاقات جديدة قائمة على الشراكة بين مؤسسات التعليم وغيرها من المؤسسات المعنية
بنشر المعرفة وإلى تكوين صلات تفرضها ضرورات العصر والتغيير وعلاقات قائمة على
التكامل بين التعليم النظامي وغيره من أنماط التعليم، ومفاتيح العملية التعليمية
هي أن يتعلم الفرد كيف يتعلم وكيف يعمل وكيف أن يعيش مع الآخرين وأن يتعلم الفرد
كيف يكون.
لعل هذه التساؤلات تشكل أسساً متوازنة لتطوير وإصلاح العملية التعليمية وجعلها أقوى ارتباطا بحياة الفرد واحتياجاته العلمية والعملية واستجابة لمطالب العصر المتجددة، ذلك أن تعلم الفرد كيف يتعلم يضع أدوات التعلم المستمر مدى الحياة في متناول يده وهي مهارات التعلم الأساسية من قراءة وكتابة ومطالعة وقدرة على التوصل إلى المعلومات من مصادرها التقليدية و المتقدمة .
أهمية تعليم الأبناء
يعد التعليم سواء أكان مقيداً أو مفتوحاً وسيلة
أساسية لتصور المستقبل والتعامل من أجله من خلال تصوره وتحديد مساره والاتفاق على إيجاد
صيغة له للتمكن من الوصول إليه وتحقيقه عن طريق الاهتمام بطلابنا وزيادة وعيهم وتوسيع
مساحة وعيهم وإدراكهم ومدى شعورهم وأحاسيسهم بالمسؤولية وبالتالي تقديم قاعدة معرفية
لهم للتعامل مع الحياة ومع كل الأحداث الوافدة
والظروف.
وبناءً
على هذا الأساس يتطلب البحث الجاد عن وسائل وآليات تحقق شبه توازن بين الواقع والتفكير بالمستقبل وإيجاد منظومات ضرورية
ولازمة للتكيُّف المستمر للإنسان وعياً وسلوكاً مع كل وافد وحدث برؤية استباقية ومستقبلية
لأن التسارع لعمليات تحقيق الطموحات يوجد معه متطلبات تعليمية عاجلة لتلاحق ركب الحضارة،
تعليم الأبناء وتنويرهم وتثقيفهم يخلق دافعاً لدى الطلاب لتعلم معطيات جديدة والتعود
عليها واستيعابها والتكيف مع كل المعطيات والنتائج وليس الوقوف أمامها موقف الغريب
المندهش أو المنبهر الذي يتعامل معها برهبة وخوف وبذلك تبرر مهمة تعليم الأبناء واطّلاعهم على المستجدات العلمية
في تمكين الطلاب من استيعاب الجديد دون أن يستوعبه ، وتوظيفه للتعامل مع المعطيات الإيجابية
، وليس السلبية ، وتبقيه طرفاً فاعلا بها وليس منفعلا فيها،
ويبرز في
المستقبل هو المحك والفيصل الأساسي لاختبار جدارة ما نعلمه لطلابنا في المدارس والمعاهد
والجامعات، إن تصور الآباء لمستقبل أبنائهم هو عامل هام ومتغير أساسي لدفع الآباء والأهل
بشكل عام من أجل تأمين متطلبات تحقيق مستقبل أبنائهم ، هذا الوعي بالمستقبل والارتباط
به والتفكير به يتحوّل في النهاية إلى سمات وخصائص شخصية وتصورات ذهنية ذاتية تحمل
معها سمات جديدة متعلقة بتحقيق المستقبل لهم وهي العمل الدائم في الحاضر والمثابرة
المستمرة والإصرار وكلها تتحول إلى مقوّمات ومرتكزات دافعة نحو الغد المشرق وخلق ثقافة
عامة موجهة نحو الغد القادم يمكن تسميتها بثقافة مستقبلية راسخة تهدف إلى نقل رؤى الأجيال
وتصوراتهم وثقافتهم ومعارفهم وتوجيهاتهم وأحلامهم من الحاضر إلى المستقبل ،
النظرة المستقبلية للطلاب في إطار عمليات وتحوّلات التسارع الكبير ستغير المسار المستقبلي للشباب نحو الأفضل والأصح, ففي المراحل الماضية عندما كان التفكير المستقبلي غائباً عن المجتمع ، إلا ما ندر، كان المستقبل لدى الشباب محدّداً حيث كان الماضي يحدد المستقبل، فالولد كان يتبع خطوات أبيه ويتعلم مهنته بالوراثة أياً كانت هذه المهنة وكم هي سائدة في العديد من البلدان التي تغيب عنها الرؤية المستقبلية ، أما اليوم وعلى الأغلب فقد غيبت المستقبلية ذلك التوجه القديم الوراثي وحررت قيود الترابط بين الحاضر والماضي لتأخذ مساراً جديداً أكثر حداثة وتلاؤماً مع سيرورة الزمن يربط بين الحاضر والمستقبل.
ليست هناك تعليقات: