الكورد في الجزيرة الفراتية على ضوء المصادر العربية والغربية.
Pênûsa Azad-Hijmar-19
علي شيخو برازي
الوجود الكوردي في الجزيرة الفراتية قديم جداً,
فقد كان إقليم الجزيرة مسرحاً لكثير من الأحداث والحروب عبر
التاريخ, وخاصّة بين البيزنطيين والساسانيين في القرن السادس الميلادي, وبقيت هذه
المنطقة, منطقة مد وجزر بين الدولتين المذكورتين حتى الغزو العربي الإسلامي لبلاد
الشام والجزيرة .
ورغم قلة المصادر التاريخية عن هذه المنطقة, إلا أننا نجد في كتب
الرّحالة العرب والأوربيين, وفي مذكرات المستشرقين, بعض الوثائق الهامة التي تؤكد
الوجود الكورد فيها منذ الغزو العربي الإسلامي لها.
يقسم الجزء
الجنوبي الغربي من (إقليم الجزيرة) حسب المسمّى التاريخي لدى الرّحالة العرب, هذا
الجزء الذي ألحق بالدولة السورية الحديثة, بعد اتفاقية (سايكس بيكو عام)
1916, إلى عدة مناطق جغرافية وفق المسميات
الكوردية : سهل سروجDeşta Srȗcê – برية البرازيةBerazan Beriya – قراج الشيخان Qracî Sêxan* – برية مللانBeriya Millan * – برية ماردينBeriya Mardînê * - منطقة آشيتان Devera Aşîtan – سهل حسنان Deşta Hesinan.
1 - سهل سروجDeşta Srȗcê – برية البرازية Beriya Berazan– قراج الشيخان Qracî Sêxan, هذه المناطق تتبع محافظتي حلب والرقة, ومدنها : كوباني (عين
العرب) وگري سپي (تل أبيض).
2 - برية مللانBeriya Millan – برية ماردينBeriya Mardînê - منطقة آشيتان Devera Aşîtan – سهل حسنان Deşta Hesinan. وهذه المناطق تتبع
محافظة الحسكة, ومدنها : سري كاني (رأس العين) – الدرباسية – عامودا – قامشلي –
تربه سپي (قبور البيض) - ﭼل آغا ( الجوادية ) – وديريك (المالكية) .
وقد أضفت الموصل
و شنگال (سنجار) إلى هذه الدراسة, كون العشائر الكوردية في منطقة جزيرة بوتان
(جزيرة ابن عمر) , لها امتداد تاريخي حتى الموصل وسنجار, ورغم كل التغييرات التي حدثت عبر التاريخ الإسلامي في هذه المنطقة,
إلا أن هذه العشائر بقيت في ذات الجغرافية, وقسمت هذه العشائر في العصر الحديث
بين: تركيا – العراق – وسوريا بعد اتفاقية (سايكس بيكو), نتيجة رسم الحدود بين
الدول المذكورة, ورغم قلة المصادر التاريخية عن الكورد في هذه المنطقة, إلا إننا
نستطيع أن نحصل على إشارات هامّة في بطون كتب التاريخ, عن الوجود التاريخي للكورد
في القسم الجنوب الغربي من (إقليم الجزيرة) .
لقد ذكر البلاذري الوجود الكوردي في الموصل عام 641 للميلاد , أثناء ولاية
عتبة بن فرقد السلمي الذي قاتل أهل نينوى: ( فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة, وعبر
دجلة فصالح أهل الحصن الآخر على الجزية, والأذن لمن أراد الجلاء في الجلاء, ووجد
بالموصل ديارات فصالح أهلها على الجزية, ثم فتح المرج وقراه وأرض باهذري وباعذري,
وحبتون والحيانة والمعلة
ودامير, وجميع معاقل الأكراد .) (1) ويقول عن أول وجود عربي في الموصل: (حدثني
العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال: أول من اختط الموصل وأسكنها العرب
ومصرها هرثمة بن عرجفة البارقي.) (2) وهرثمة هو الذي تولى الموصل بعد عتبة بن فرقد
السلمي.
يذكر صاحب الروض المعطار الكورد في نواحي الموصل وكوردستان عامة: (وإنما
الجبال الصعبة فيما بين حدود شهرزورإلى آمد, فيما بين حدود أذربيجان والجزيرة ونواحي
الموصل, وأكثرها مسكونة بالأكراد .) (3)
تحدث خاشع المعاضيدي في كتابه (دولة بني
عقيل في الموصل), عن الدور الكبير للكورد في إمارة بني عقيل في الموصل, من
الناحيتين العسكرية والسياسية, وخاصة في نزاعات بني عقيل مع البويهيين والسلاجقة,
ومع الأمير الكوردي باد بن دوستك, وفي نزاعات الكورد مع العقيليين أيضاً, خاصة
قبيلتي الحميدية والهذبانية, وعن عدم انسجام الكورد مع العرب الأمر الذي أدّى إلى
زوال إمارة بني عقيل, ومع ذلك كان الأمير العقيلي قرواش العقيلي كثيراً ما يستنجد
بالكورد في أيام المحن والشدائد, ففي حديثه عن اضطرابات الكورد قال: ( أما الأكراد, فقد كان لهم دور سياسي في ذلك الوقت في شمال
العراق, حيث كانت مساكنهم شرقي نهر دجلة, في المنطقة الجبلية الشمالية الشرقية من
العراق, كما سكن بعضهم في سنجار ونصيبين, وقد امتاز الأكراد بالكرم والرجولة,
وضيافة المسافر, لكنهم كثيراً ما تسببوا في إثارة الاضطرابات في هذه المنطقة من
العراق, فقطعوا طرق التجارة والحجاج, وعبثوا بالبلاد . ) (4) أما سنجار فقد أخذها صلاح الدين الأيوبي, بالاتفاق مع أمير كوردي من عشيرة
الزرزارية التي كانت في شنگال آن ذاك, فأثناء سيطرة الدولة الأيوبية على سوريا
والقسم الغربي من كوردستان, سار صلاح الدين إلى فتح الموصل, ثم تركها بعد قتال
شديد, ( فرحل عنها إلى سنجار فأنفذ (مجاهد الدين) عسكراً , فمنعه (الملك الناصر)
من الوصول. وحاصر سنجار, فسلمها إليه أمير من الأكراد الزرزارية, وكان في برج من
أبراجها فسلم إليه تلك الناحية.) (5) وترك فيها سعد الدين بن معين
الدين أميراً نائباً عنه, وبقيت شنگال في إدارة
الدولة الأيوبية إلى أن انهارت على يد التتار.
ويذكر ابن شداد وجود قوة كوردية كبيرة في نواحي ماردين: (وكان في نواحي
ماردين من الأكراد قد طمعوا في صاحبها, فلا يزالون يشنون الغارات على أطرافها,
فسيّر ياقوتي إليه يقول له: قد صار بيني وبينك مودّة وصداقة, وأريد أن أعمّر بلدك
بأن أمنع عنه الأكراد ) (6)
يقول الرّحالة الفرنسي تاڤرنييه بعد
مغادرته من مدينة بيراجيك الواقعة على نهر الفرات, والتوجه نحو الشرق بعد مسير يوم
واحد سنة 1644: وصلنا مساء إلى شرملي* وهي
بلدة حسنة جداً, ذات خان جميل وحمّامات في أطرافها. وعلى ضعف رمية بندقية منها,
ينهض جبل فرد, كأنه مونت مارتر قرب باريس. وحوله سهول, وفوق قمته قلعة يحميها
مائتا سباهي, لأن الأعراب
يعبرون الفرات أحياناً ويغيرون على ذلك الجانب. (7) وهذا يعني أنه لم يكن للعرب وجود شمال نهر
الفرات في المنطقة الواقعة بين نهري: الفرات والبليخ, وهي منطقة عشائر الاتحاد
البرازي.
قال
أوليا چلبي عن سكان سهل سروج: ( إنّ في بادية سروج قبائل البدوية: التركمان
والأكراد, من عشائر: دنياي, برازي, كوخ بينك, و كورد جوم,. وهي تعمل في زراعة
التوت لصناعة الحرير وتدفع ضريبة العشر للدولة العثمانية عن منتجاتها.) (8)
الرّحالة التركي أوليا چلبي يتحدث عن قرية كوردية
شمال الدرباسية عام 1655, خلال وصفه للمنطقة الواقعة جنوب ماردين: (توجهنا من
ماردين نحو الجنوب, وبعد مسيرة ثلاث ساعات وصلنا قلعة (گولي*), وهي قرية كوردية
تتكون من 500 بيت, وتقع في إحدى السهول, ويبدو منظر قلعة ماردين جميلا من هنا.) (9),
تقع هذه القرية اليوم بالقرب من مدينة (قزل تبه) كما ذكرها الچلبي. إنّ عدد البيوت التي ذكرها الچلبي, يعني أنه كان هناك عدد كبير من الكورد في هذه
المنطقة, ومن الطبيعي أنّ القرية الواحدة تصبح عشرات القرى خلال قرن واحد, وخاصّة
إذا كان عدد القرية 500 بيت, أي أن القرية كانت أكبر من تعداد العشائر الكبرى في
ذلك الزمان .
حين مرور كارستن نيبور في سهل ماردين عام 1764م,
أشار إلى عدة قرى على الخارطة ( (L* , ومنها (عامودا), وإشارة أخرى إلى وجود
بعض القبائل الكوردية والعربية: المللية في جنوب غرب نصيبين, الشيخان في جنوب غربي
عامودا, وعشيرة الطي العربية في أقصى الجنوب من سهل ماردين, وشمال جبل سنجار, كما
أشار إلى خراب الكثير من القرى في هذا السهل, وإنّه كان تحت إمرة والي ماردين أربعة
بيارق, وكل بيرق يتألف من 120 رجل, ويستخدم هذا الجيش العرب والأكراد واليزيديين
الذين يتجولون على أراضيه . (10)
ويؤكد الرّحالة
جمس بكنغهام في كتابه ( رحلتي إلى العراق عام 1816) على كثرة القرى في المنطقة
الواقعة شرقي القامشلي, ابتداء من نصيبين حتى جبل سنجار, ويذكر القرى التي مرّ
بها مثل: تل شعير – قرية خليف آغا - قرية
چل آغا – دوغر - ارزوار. بقوله: ( بعد أن سرنا ساعتين وصلنا إلى قرية مشرفة على
رابية تدعى (تل شعير) وكانت المنازل القليلة الظاهرة فيها أشبة بمخازن الغلال
المستطيلة على شكل المزارع الإنكليزية , وهي مغطاة بسقوف منحدرة من القش , أما
السكان وكلهم من الأكراد .
فكانوا يسكنون
الخيام بصفة رئيسة, وكذلك كانت معظم هذه المنازل غير مأهولة, ولربما كانت هذه
الأبنية خاصة بمخازن الحبوب على وجه التأكيد .
وبعد مسيرة
ساعتين من تلك القرية, ونحن نتعقب ذات الطريق, مررنا بمكان آخر يدعى (ضيعة خليف آغا) وهو اسم الرئيس الذي يقيم
فيها, وتقع هذه القرية أيضا على رابية أصغر من الأولى, وتضم نحو خمسين بيت, غير أن
حوالي مائة خيمة قد نصبت بجوارها .
وقبل الظهيرة
تماماً بلغنا قرية أخرى تدعى (دوغر) أمضينا فيها بقية النهار. وقد لاحظنا أن جميع
هذه القرى متشابهة في مظاهرها, وهي تقوم على أرض مرتفعة, ولكل منها جدول ماء قريب
يأتي من ناحية الشمال, إضافة لوجود آبار لكل منها يتزود منها بالماء حين تجفُّ
النهيرات , وتنفذ مياه الجداول .
وعلى طول
الطريق من نصيبين كنا نشاهد على اليمين وعلى اليسار بامتداد البصر, قرى عديدة لكني
لم أعرف أسماءها, وكان آخرها وأكبرها قرية تدعى (أرزوار) . تقع على مرتفع من الأرض
أعلى من بقية مواقع القرى الأخرى.
وحين أردنا التوقف عن السير اخترنا لإقامة
مخيمنا موقعاً بجوار جدول ماء, ينحدر من التلال الشمالية ويسير جنوباً حتى يختلط
بمياه نصيبين . (11)
ولا يأتي الرّحالة
هنا بذكر أي وجود عربي, في المنطقة الممتدة بين نصيبين وشنگال (سنجار), وقد حددّ
جغرافية المنطقة التي سار بها بكل وضوح وتفصيل.
ثم يذكر الرّحالة
جمس بكنغهام قرية چل آغا : (توقفنا عند المساء بجوار جدول صغير, وعلى مقربة من
قرية تدعى: چل آغا, تتألف المساكن من جزأين, منها من أكواخ قصب , وثلاثة أو أربعة
أجزاء أخرى من بيوت الشعر. (12)
أبرز قبائل الأكراد التي تهيم في هذه المنطقة مع خيامها, وتدفع الجزية
لوالي ماردين فهي : كيكي (Kiki)
وساجلي ((Sadjseli
ومزيان ( Musesjan ) ولا تصادف هنا من البدو سوى قبيلة الطيّ,
وهي قبيلة كبيرة, ويتلقى الشيخ الحاكم فيها بصفة بيك (13) .
كلوديوس جيمس
ريج أيضاً ذكر قرية (چل آغا) , في رحلته إلى العراق وكوردستان عام 1820., خلال
حديثه عن عشائر جزيرة بوتان, حيث أشار إلى موطن عشيرة الآشيتية في چل آغا: ( هناك
قسمان من الكورد ضمن حكومة الجزيرة وهما: (البهتانيون) أو (البوتانيون) و
(الآشيتيون) . يسكنون بوجه عام السهول, جوار (نصيبين) و چل آغا, ونظراً لما أصاب
الحكومة من وهن مؤخراً, فقد أصبحوا أقوياء, أشداء المراس) (14) .
ذكر مفتي ماردين عامودا عند حديثه عن حكم
أحمد آغا الأربلي لماردين في جمادى الآخر سنة 1242هـ ( يقابلها 1826 و1827 م ): ( لم
تتوفق له الأمور ) أي حاكم ماردين أحمد آغا الأربلي ) واختلّ نظام حكمه غاية الاختلال، وفي أيامه
هجمت العربان على العشائر ونهبوها، ونهبوا الزرع، وتشتت الرعية في الأقطار أيادي
سبأ، وخربت قرى الكيكية بتمامها، وقرى الشيخانية بأسرها، وقرى الخواص بجملتها،
وكذلك نصيبين وما حولها ، وما بقي سوى عامودا وحرين وبعض قرى البيران علي ) (15) .
يقول أوبنهايم: ( يخضع
القسم الأعلى من الفرات لأكراد البرازية من سروج. وتهيمن عنزة بدءاً من مسكنة,
وشمر من دير الزور . ) (16) ويقصد أوبنهايم هيمنة العنزة والشمر
على (الشامية), أي البوادي التي تقع جنوب نهر الفرات, أما عشائر البوشعبان فتتوزع
على ضفتي نهر الفرات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - البلاذري, فتوح البلدان, منتصف القرن الثاني الهجري,
التاسع الميلادي
2 – نفس المصدر ونفس الصفحة .
3 - الروض المعطار في خبر الأقطار, ص 447
4 - دولة بني عقيل في
الموصل, ص 132- 133
5 – زبدة الحلب من تاريخ حلب, ابن العديم الحلبي, دار الكتب
العلمية, بيروت – لبنان, الطبعة الأولى 1996, ص 389
6 – الأعلاق الخطيرة, الجزء الثالث, القسم الأول,
ص 147
7 – رحلة تاڤرنييه إلى العراق في القرن السابع عشر سنة 1676 , دار
العربية للموسوعات, الطبعة
الأولى, 2006, بيروت – لبنان . ص 32
* - تقع بين بيراجيك وأورفا , شمالي
كوباني بحوالي
8 - 1 - Evliya Çelebi, Seyahatnamesi, 3- cilt 1- kitap,Y K Y Istanbul 2006 s 197 .
9 - رحلة أوليا چلبي في كوردستان
عام 1655 , ترجمة رشيد فندي, الطبعة الأولى , مطبعة خاني – دهوك 2008 . ص 81
* - گولي تعني: وردة باللغة الكوردية .
10
– رحلة إلى شبه الجزيرة العربية وبلاد أخرى مجاورة لها, كارستن نيبور, الانتشار
العربي, بيروت – لبنان ط 2007 الجزء الثاني ص
304- 305
11
- جمس بكنغهام ,رحلتي إلى العراق سنة 1816 جمس بكنغهام – ترجمة سليم طه التكريتي طبعة 1968, مطبعة أسعد,
بغداد , الجزء الأول . ص 7
12
– نفس المصدر, 1816ص 23 .
13 - كارستن نيبور, رحلة إلى شبه
الجزيرة العربية وبلاد أخرى ج 2 , ص 299
14 - رحلة ريج, المقيم البريطاني في العراق,
إلى بغداد – كوردستان – إيران عام
15 - تاريخ ماردين من كتاب أم العبر ، تأليف مفتي
ماردين الشيخ عبدالسلام بن عمر بن محمد ، تحقيق وتعليق (حمدي عبدالمجيد السلفي
وتحسين إبرهيم الدوسكي) ، دار المقتبس ،
بيروت – لبنان ط 2014
16 – البدو
, الجزء الأول, ماكس أوبنهايم , الوراق للنشر, المملكة المتحدة 2004, ص , 395
ليست هناك تعليقات: