بنية الزمن في قصص مجموعة مواسم الحب و الوجع للكاتبة نور نديم عمران
بقلم الكاتبة: تغريد نديم عمران
يعتبر بناء
الزمن من التقنيات الأساسية التي يقوم عليها بناء القصة، فالزمن الأدبي زمن
التجارب و الانفعالات و الحالة الشعورية التي تلازم المبدع، فلا سرد من دون زمن.
عن دار أرواد
للطباعة و النشر صدرت المجموعة القصصية السابعة للكاتبة نور نديم عمران بعنوان
(مواسم الحب و الوجع )، وفي قصصها تعزف نور حكاياها
بالتلاعب بزمن أحداث قصصها، فتقدم و تؤخر في ترتيب هذه الأحداث، بحيث تخرج عن
المألوف من تسلسل منطقي للأحداث سواء أكان ذلك باسترجاع للزمن أم استباق للأحداث.
في قصتها
الأولى المعنونة ب( قمر و مدينة ) تقول
البطلة:
تحمّلت شقاء ارتباطي
برجل يكبرني بعشرين عاماً، لأهرب من فقر مدقع إلى تخلف أعمى، حُرمت دراستي و
مراهقتي، ووجدت في مولودي الأول حب حياتي و نسغها و ثمارها ..
آآآه يا ولدي،
كيف طاوعك قلبك يا وحيدي على الرحيل و الهجرة من البلد؟
ص ٧.
لقد كانت هجرة
الابن سبباً لاسترجاع الشخصية أحداث حياتها عبر سنوات طويلة، كذا الحال في قصتها
(حكايا التبغ )؛ إذ تلتقي بطلة القصة مع حبيبها بعد أعوام طويلة، تزوجت فيها من
غيره و أنجبت ابنة صارت طالبة جامعية، و يحرّض اللقاء ذكريات الحب الأول فتعود
بالأحداث إلى زمن الشباب و الخذلان الأقسى: كم مرة أمسكت بنا أختي و هددتني بإعلام
والدتي ..إلى أن فعلت يوماً حين رأتك تلعب بضفائري الطويلة ، رمتني بقبضة الشاتول
الحديدية و جرّتني من شعري الطويل، من دون أن تكترث إلى الدماء التي غطت جبيني.
ص١٥
لقد وظفت القاصة تقنية استرجاع الزمن هذه خير توظيف في قصتها ( شاهد ذكرياتك
قبل سنة ) التي تتحدث عن ميزة في العالم الافتراضي عبر الجوال تجعلنا نسترجع
ذكريات ما كتبناه في مثل هذا اليوم قبل
عام على صفحاتنا، و هذا ما يحدث لوجد التي عاشت سنة عاطفية صاخبة و صعبة، كانت
تكتب فيها رسائل فيسبوكية لحبيبها كل يوم، فقد كانت تتنفسه حسب تعبيرها كل ثانية، ومع أنها
لا تريد تلك الذكريات غير أنها كانت تسترجعها يوماً بيوم و حرفاً بحرف.
أما
استشراف المستقبل أو الاستباق فهو تقنية سردية من تقنيات المفارقة الزمنية،
استخدمتها الكاتبة لبيان ماهو متوقع الحدوث في بعض قصصها سواء أكان في داخل الزمن
الحاضر أم في قصة حدثت و انتهت، ففي قصتها (
امرأة من بلور ) تقول:
كانت جدتي تسخر
من ابن نسيبها عزيز و تقول : جاء عرنوس الدرة، خبئوا الخيرات قبل أن يلتهمها. ص٨٥
ففي هذا استباق
لما سيكون عليه عزيز عندما يأتي من أنانية و انتهازية و حب تملك و تحذير للتعامل
معه مستقبلًا.
و في قصتها (مواسم
الوجع ) تقول :
سأغرم بزوجي من
جديد، نعم لقد قررت ان أفعل ذلك ، فلا أحد مثله يستحق أن أغرقه بفيض محبتي و
اهتمامي و لكن قبل أن أبدأ بتنفيذ قراري لا بدّ من أن امد يدي إلى صدري ..إلى
الجهة اليسرى تحديدًا لأقتلع قلبي من جذوره.
ص٤٥
يجد القارئ نفسه فيها مستعجلاً النهاية
ليتأكد من حصول الأمر، وإن البطلة
ستنفذ قرارها الاستباقي.
ومع
أن المفارقة السردية الزمنية عند الكاتبة
نور نديم عمران المستندة إلى تقنيتي
الاسترجاع و الاستباق قد أدت فعلها في عملية الجذب القصصي للقارئ، غير أنها لا
تنسى الاهتمام بحركة السرد الزمني من حيث التسريع أو الإبطاء لبعض الأحداث، بما يخدم
الهدف من القصة و عدم إدخال
القارئ في ملل حيث يكون التسريع عندها بحذف بعض الفترات الزمنية أو تلخيصها، و هذه
الحركة السردية يمكن تسميتها بالخلاصة، إذ تلخص أحداث شهور بسطور ، كما في قصة (
مواسم الضياع ) :
_ لم تكن طريقة
خروجنا من البلد سهلة، لقد أنفقنا كل مدخراتنا لنحصل على فرصة عيش جديدة بعدما
صارت ساحات حمص ميادين لإزهاق الأرواح.
ص ٤٢
إذ لا تدخل القاصة
في تفاصيل الحرب و الإرهاب، و لا في تفاصيل الهروب أو حتى طريقة فقدانها لأهلها بل
تلخص ذلك كله في ثلاثة سطور لا أكثر.
و
في الإبطاء تعتمد الوصف، و هو ما نتبيّنه في وصفها لكل موسم من مواسم قصصها، حين
تصفه معطية فسحة متحررة زمنياً للمعلومة و الرؤيا.
في قصة( حكايا
التبغ ) تقول:
_ ألا تذكرين
مشاكلهما حول التبغ و تنافسهما على بيع الشتول... كانا يختلفان على توافه الأمور
..متى تبدأ المرحلة الأولى، في أوائل كانون الثاني أم في شباط ؟ و مدة سقاية
المساكب في بداية الأمر، أهي ثلاثة أيام أم هي خمسة لإنبات الأعشاب الضارة و
اقتلاعها قبل زراعة بذور التبغ على المساحة المخصصة لذلك ؟
حتى المسافة
بين شتلة و أخرى كانا يختلفان عليها .
ص ١٤
عموماً هناك
محدودية في حجم النص مقارنة بالزمان الذي يتضمنه القص، و هو تكثيف يحسب للكاتبة و
يجعل قصصه…
ليست هناك تعليقات: